|

الزائرُ الخَفي

2019-09-14 04:35:12

كان زائرٌ صامت , يهرعُ قبل الجميع ليُغذي عقلي بما يريد , ولأني مررتُ بتقلبات مزاجٍ مبهمة , اتبعتُ صوته , وآمنتُ برفقته .
الحقيقة أن زائري لا يملكُ في حديثه إلا لغةٌ يشوبها السواد , ففي كل مره يبحثُ في داخلي عن بواعث الأمل ليُبعثره , وكان من حولي يعلم أنه وفيٌ معي , لوصمة الشحوب التي يتُركها تعتلي ملامحي دائماً .
يعرفُ جيداً كيف يُعيد برمجة الحواس , ويجعلنا مُقيدينَ لأجله , نعيشُ طوعاً كما يُحب , ونكرهُ ما ينبغي لنا أن نكون ..!
ولأنه كانَ جاهلاً , اخبرني أن الكُتب ممله , و الحديث مع الاصدقاء لا يُجدي نفعاً , و قضاء الوقت مع عائلتي لا يهم , و الخروج لأداء عملي مشقه , و الطعام غُثا , وأني أصبحُ في اجمل حالاتي فقط , حينما أكونُ وحيده يحرسني بعتمته .
و لفرط ما اتبعته كنتُ أُسكِتُ الضوءَ والجميع َ ليتحدث , ولم أعلمْ انه شيئاً فشيئاً سيُطفئُ بي وهج الحياة ..
.
.
تُشير منظمة الصحة العالمية بأن هناك أكثر من ٣٠٠ مليون شخص في جميع أنحاء العالم من جميع الأعمار يعرفون تماماً من هوَ الزائرُ الخَفي , واعني ” الاكتئاب ” .
عرفته منظمة الصحة العالمية بأنه اضطرابٌ نفسي , اهم ما يميّزه الشعور الدائم بالحزن وفقدان الاهتمام في الأنشطة التي يتمتع فيها الشخص عادة , وهو يقترنُ بالعجز عن أداء الأنشطة اليومية لمدة أسبوعين على الأقل .
واعتبروه قديماً بعصور ما قبل الميلاد انه مرضٌ روحي وادرجوه في قائمة الخرافات والمس الشيطاني , و اوكلَ علاجه للكهنة عوضاً عن الأطباء .
و عرفه العرب قديماً , حيث وصفه أبو بكر الرازي بالوسواس السوداوي ورأى انه مرضٌ عقلي ينجم عن الدماغ وأسس له العلاج السلوكي – وهو الذي نعرفه الآن – ويتضمن المكافئة على السلوك السوي .
الاكتئاب لا يهتم بمن تكون ولا يُحددَ مراحل عمريه فقط , ولا ينظر لانتمائك و مستواك التعليمي , ولكن بمدى استجابتك له , ومدى قوتك تجاه الصدمات والمواقف , فهوَ العامل الأهم الذي يسمح له بالوصول إليك .
وقد يؤثر المناخ بالصحة النفسية , فوفقاً لتصريح منظمة الصحة العالمية تقول إن الدول العربية تتصدر العالم في نسبة الاكتئاب، مع تفاقم العنف وغياب الاستقرار فيها والزيادة السريعة للطابع الحضري للحياة.
ينشأ الاكتئاب من عدة عوامل اجتماعية ونفسية و ما بها من طلاق وانفصال وعنف و خبرات وتجارب سلبية , وحالات فقد كالأشخاص او المكانة الوظيفية والاجتماعية والضغوطات الأسرية والاقتصادية والشعور بالدونية, او بيولوجية وتربوية كمحاكاة الأبناء للوالدين واستلهام الجوانب السلبية والتردد و النظرة التشاؤمية منهم , فهناكَ ايضاً دراسات تُشير أن العامل الوراثي قد يلعب دوراً في الاصابة به عن طريق الجينات .
ويتميز المصابون بالاكتئاب بالعديد من الأعراض منها :
الشعور بانعدام الثقة بالذات , الخواء الروحي , القلق المستمر والنظرة التشاؤمية , والخوف الغير مبرر , الانطواء والرغبة الشديدة بالوحدة , الحُزن , الانزعاج المبالغ من مظاهر الحياة والمحيطين , تراجع المشاركة في الأنشطة الاجتماعية , آلام عضويه , وهنٌ و خمول , اضطراب النوم أو الارق أو ازدياد معدل النوم عن الحد الطبيعي وذلكَ هروباً من الواقع، فقدان الشهية ، لحظات البكاء دون سبب , انخفاض مستوى التركيز والتشتت , اهمال النفس وعدم الاهتمام بالمظهر العام, التذبذب والتردد تجاه اتخاذ القرارات , وهناك حالات تستحوذ عليها الافكار السلبية وتتجه لإيذاء الذات كالإدمان والرغبة المُلحة بالانتحار .
قد تتفق هذهِ الاعراض مع ما نمرُ بهِ من مواقف في حياتنا اليومية ولكن لا تدخل تحت مسمى الاكتئاب , فهناك مواقف طبيعية تستدعي الحزن والضجر والانعزال ولكن لا تتعدى كونها وقتيه ولا تصل لمراحل الاكتئاب المرضي.
للوقاية والحد منه :
عن طريق الالتزام بالعلاج الدوائي بالنسبة للحالات المرضية والمتقدمة
وبالعلاج النفسي والذي يهدف لتنمية القدرات الذاتية والفكرية والسلوكية , ومنه العلاج المعرفي السلوكي وذلك باستبدال الافكار والمفاهيم والأفعال الخاطئة والسلبية , إلى مفاهيم وسلوك اكثرَ ايجابيه .
وللحد منه اثناء مراحله الأولوية يجب المحافظة على شبكة العلاقات الاجتماعية والتواصل مع اصدقاء اكثر ايجابيه , وممارسة المشي , واتباع نظام غذائي متوازن , البحث عن مهارات وهوايات جديده , تنمية الذات والمشاركة بالأنشطة الاجتماعية والترويحية , التحكم بِردات الفعل وعدم الاستسلام التام للفراغ و للأفكار التشاؤمية .
.
.
.
” كُنْ قوياً و أضيء ذاتك بالإيجابية , فالزائرُ الخفي يعرفُ كيفَ ومتى يتسللُ إليك ”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشواق السعيد