|

ارواحٌ قيمة

2019-10-04 01:26:26

} الله الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً {
[الروم: 54]

حينما تكبر وتجدُ امام عينيكَ وبين يدك كنزٌ أو قطعة نادرة الثراء , فليسَ من المعقول أبداً ان تُهملها , أو أن تُفرط بها , بل تتعاهدها بكامل الرعاية و جل الاهتمام , كذلكَ هم المسنين من الاباء والامهات , وأعني بشكلٍ عام كلُ من بلغَ من العمر عتيا , فَتلكَ ارواحٌ قيمة نتوارث بركتها بلا شك.
اكتب بيدٍ لطالما توكأ عليها وهنهم , و قد وجدتُ من هذا الوهن قوة , تشدُ على كلماتي الآن .
فَبحضرتهم يحضر تاريخٌ لن تقدمه لنا الأيام إلا من خلالهم , فهم يتحدثون عن الماضي فينصت لهم الحاضر .
يكفي أن نتأملَ حديث الملامح , لنجدَ ذلكَ الكم من الخبرات والتجارب والتي تُترجمها لنا كلماتهم , أو قد تُدفن – احياناً – في نفسٍ حيه .
نحنُ لسنا بحاجةٍ ليوم عالمي ليُذكرنا بهم , فَديننا الحنيف يَحُثنا في آياتٍ عِده بأن نُحسن إليهم , ويأمرنا بالرفق ولين الجانب والتلطف مع الضُعفاء و كبار السن من غير الاقارب , فما بالنا حينما يصل الوالدين لهذه المرحلة من حياتهم , وحينما ينهانا ربنا عن كلمةٍ قد تُقال عمداً أو عبثاً بحقهما , لكنها لقلتِها تتركُ اثراً سيئاً بهم .

أُمِرنا بأن نخفض لهما جناح الذل من الرحمة بهما , فذلك طوعاً وحباً لرحمتهم بنا صغاراً, وأن ننتقي القول الكريم رأفة وبراً بهم , فالبر لا يكون بعملٍ نؤديه إليهم فحسب ; بل حتى بكلمةٍ طيبة تُدخل السرور عليهم .
فمع تقدم السن تختلف كثيراً من صفاتهم النفسية والعضوية والسلوكية , فنجد تراجع في مستوى الذاكرة واضطرابات المزاج , وتوهم المرض الذي قد يكون احيانا عند البعض لاستجداء العطف والمزيد من الاهتمام ,وقد يعاني البعض من انسحاب اجتماعي وعزله وذلك نتيجة لخوفه المتكرر من التنمر اما لعيب أو عجزٍ اصابه وترتب عليه الابتعاد عن مخالطة حتى المقربين و الرغبة بالانفراد .
ايضاً نَجد حِدة السيطرة وفرض الرأي واطلاق الاحكام والتدخل حتى في شؤون الاخرين لُيثبت انه لازال قادراً على التأثير, ويحدث ذلك للأباء الذين كانوا في فترات قوتهم يمتلكون مكانة وظيفة وبيئة عملٍ قياديه او أنهم اصحابُ نفوذ وكلمة مسموعة لمن حوله.
فمن الواجب علينا جميعاً تجاههم أن نُقدم دون من , ونُعطي دون حاجه , ونبادر بلا مناسبه , ان نُنصت اثناء حديثهم وذلك توقيراً واحتراماً يُعزز من قيمتهم تجاه انفسهم قبل كل شيء , وأن نتعمدَ ذكر مآثرهم بوجودهم , وأن لا نُقلل من قيمة ما مروا به من فترات زمنية تختلف عن ما نمره به الآن , وان ندخل السرور عليهم بملاطفتهم وبذل كل ما من شأنه أن يعيد اليهم بهجة ايامهم الماضية , فكلُ ما نبذله لن يبلغ معشار ما قدموه لنا في حال ضعفنا وحاجتنا لهم .
واني اعجبُ حقاً , من تلكَ القضايا التي امتلأت بكل صور العقوق , اعجب من ابناء اودعوا اباءهم وامهاتهم دور المسنين , رغم كفاءتهم وقدرتهم على اداء متطلباتهم , فكيف لمن حملت وهناً على وهن ان توضع عمداً بتلك الدار بيد احد ابناءها , أن تُبعدَ في حال ضعفها لأيدٍ غريبه لكنها اكثر بِراً ورفقاً بها من فلذة كبدها .
أعجبُ جداً من ابناء اطعموهم من بقايا طعامهم القاسي الذي لن يصل ابداً لقسوة قلوبهم بالتأكيد , وبمن يُهيئ له الموت البطيء في احد زوايا بيته , لتمضي اياماً دون المرور عليه ويصل الامر للتذمر منه والبحث عن وسيله للتخلص من مسؤولياته , وقد ينتهي به الحال اما كزائرٍ ثقيل على نفوس ابناءه او كلاجئٍ في دارٍ تحمي ما تبقي له من عمر .
.
. ازرع اليوم ما تُريد حصاده غداً , فكل ما تُقدمه حتماً ستجده