|

العلاقات والذكاء العاطفي

الكاتب : الحدث 2021-10-01 06:09:07

 

بقلم :  عــزة المـؤدب  MeddebAzza@
.          عثمان الأهدل          oalahdal@

بث الله بين البشر روح التعاون والتعارف، وجعل التعاون بينهم عملاً حتميًا لعمارة الأرض، إذ قال جل في علاه في كتابه الحكيم :{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، وأما التعارف جعله حكمة التنوع بين الخلائق فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} - وما كان ليسود روح التعاون والتعارف في المعمورة بين البشر لولا انتشار الألفة والتعاطف بينهم. 

والتعاطف هو قدرة الإنسان على تفهم مشاعر الآخرين ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، وهو العمود الفقري لبناء العلاقات بين البشر على المستويين الفردي والجمعي. والتعاطف ينقسم إلى نوعين، تعاطف تفاعلي أي الاستجابة وردة الفعل تجاه المشاعر والحالات النفسية التي يمر بها الآخرون وهذا ينبع مزاجيًا وتلقائيًا، والثاني هو تعاطف معرفي، وهو القدرة على تفهم مواقف الآخرين ومشاعرهم، ولهذا فنٌ وعلمٌ يرتقي به الشخص سلمَ المجد كلما استزاد من رحيقه، وأفضل أنموذجًا لذلك هو التعلم من سيرة سيد الأنام علية أفضل الصلاة والسلام.

 فيكفينا فخرًا أن حكماء من لا يدينون بالإسلام دينًا جعلوه ملهمًا للبشرية، وجعلوه في مقدمة قائمة عظماء الكون، وقد قالوا عنه :"لو أن محمدًا بيننا لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجانًا من القهوة". ولا شك أن سيرته العطرة إضافة قَيّمة لعلم السياسة والإدارة، تُعبر عن فن التواصل والتلاحم.

ولهذا أعطى علماء النفس أهمية قصوى لعلم التعاطف لتطوير العلاقات الاجتماعية والشخصيه لدى المتطلعون في تحسين أداءهم في التواصل، ويشمل هذا التعاطف التفاعل الجسدي والنظري حيال ما عليه الآخرون نفسيًا، فيُظهر فيه مشاعر الصدق في تعامله من منظورٍ منطقي، وتتطور هذه المهارة كلما زادت البصيرة والإدراك المعرفي في فن التعامل مع الآخرين.

وهنا يجيء دور الذكاء العاطفي وهو يمثل إبراز الصفات المميزة للشخصية المتزنة التي تجسد دورًا مهمًا في إنجاح العلاقات الاجتماعية بشتى أنواعها. إذ يتمتع صاحب الذكاء العاطفي على شخصية واعية بدرجة طيبة تمكنه من فهم مشاعره، ولاسيما إدراك السلوكيات التي استقرت في شعوره اللاواعي، التي انعكست جراء المواقف التي أحاطت به طيلة عمره سواءً كانت إيجابيةً أو سلبيةً، تجعله قادراً على مجاراة مختلف الانفعالات الحادة، وتجنبه المطبات النفسية التي قد تجر له الويلات.

ويعرِّف الكاتب الأمريكي ستيفن هيين :" أن الذكاء العاطفي بأنَّه قدرة الإنسان على التعامل مع عواطفه، بحيث يحقق أكبر قدر ممكن من السعادة لنفسه ولمَن حوله". والأكثر قربةً للناس هو من يوظف ذكاءه العاطفي في تلمس حاجاتهم الاجتماعية، إذ يقول سبحانه لنبيه الكريم بخصوص ذلك:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. ولا شك في أن سفراء الدول يتم اختيارهم وفق هذا القياس، قياس الذكاء العاطفي حتى تُبقي الدول على علاقاتها الجيدة، حتى أن بعض المعاهد المتخصصة في علوم السياسة ادرجت ضمن مناهجها هذا الفن من العلوم.

أما بخصوص علاقة العاطفة بالسلوك والأفكار، فيقول أيضًا الكاتب الأمريكي ستيفن هيين عن ذلك :"لا نستطيع أن نقرر عواطفنا، ولكنَّنا نستطيع أن نقرر ما الذي سنفعله حيالها، فأنا لا أستطيع أن أقرر متى أغضب أو أخاف، أو متى أقلق، أو متى أحب أو أكره، لكنَّني أستطيع أن أقرر كيف أتعامل مع خوفي وقلقي وحبي وكرهي".

ووفقًا لذلك فإن العلاقة بين العواطف والسلوك والأفكار هي علاقة تبادلية، فإن الإنسان يستطيع أن يتحكم بعواطفه، كلما تعلم كيف يضبط سلوكه وفق تصميم خريطة أخلاقية منظمة في مخيلته، تُحجّم الفوضى العاطفية وتجعلها ضمن إطارٍ عاطفي ذكي يزرع بينه وبين الآخرين الألفة والمحبة والتراحم. 

ولا يتأتى ذلك إلا بتطوير الذات على الذكاء العاطفي الذي يزيدها قدرةً على الخروج من إطار التواصل الضيق إلى إطارٍ أكثر رحابةً وتبصرًا يتقبل به الفكر المقابل والانفتاح إليه. والذكاء العاطفي يتمثل في مهارة ناعمة قد تكون فطرية، وتتعزز مع الوقت بفضل الخوض في مختلف التجارب والخبرات الحياتية، أو قد تُكتسب من خلال حضور تدريبات قصيرة خاصة مع خبير تطوير ذاتي يقدم فيها حصص تعمل على ابراز السمات الطيبة وطمس السمات المشوهة. واكتساب وتطوير هذه المهارة من شأنها أن تدعم التوازن العاطفي والاعتدال الروحي، ولاسيما خاصية التعاطف والتسامح وابراز الموضوعية الإيجابية منها، مما يساهم ذلك بامتياز في تقليص نسبة حدوث الخلافات والتمتع بجودة حياتية رائعة.

وفيما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم في صلح الحديبية، كان يفاوض رؤساء الوفود التي كانت تُرسل إليه من قبل قريش بناءً على نفسياتهم، ويُعد ذلك منبعا من منابع الذكاء العاطفي، الذي يجعل صاحبه متمكنًا من معرفة معادن الرجال ليسهل عليه قيادة التفاوض، وانجع المفاوضات هي التي يتم فيها معرفة نفسية الخصم للتعاطي معه وفق مبدأ تعاطفي ذكي.