|

مشروع طفل..( يجب أن نربي أنفسنا جيداً ..لكي نربي أطفالنا)

الكاتب : الحدث 2021-09-10 06:51:16

 
تخيل إنك تحاول أن تمارس لعبة كرة السلة بدون أن تعرف أبسط قواعدها ، من المؤكد أنك ستفشل مهما كانت بساطة اللعبة ،  إن أي نشاط تقوم به يتضمن مهارات أساسية معينة يجب توافرها لتحقيق النجاح ،  إذ ينبغي عليك أن تتعلم كل مهارة وتستوعبها جيدا ،  وتفهم متى تستخدمها ثم تقوم بممارستها بانتظام " إنك بالتأكيد لن تستخدم المطرقة لنشر الخشب " .

إنك تستطيع ان تشبه عملية نمو الطفل بمشروع ستبدأ في إنشائه، حيث تحتاج جميع الأعمال الى أنظمة أساسية معينة " كنظام الحاسب " وبينما ينمو عملك فسوف تحتاج لرفع كفاءة هذه الأنظمة، واثناء فترة التحول سوف يسود عدم النظام الى أن يعتاد كل شخص على استخدام الأنظمة الجديدة.


وبمجرد أن توضع الأنظمة الجديدة في موضعها الصحيح ويتم تشغيلها بسهولة ،  سوف يدار عملك بفاعلية وإنجاز أكبر وسوف يحصل العملاء على خدمة أفضل ، وهكذا دواليك تحدث عملية مماثلة مع الأطفال بينما يتقدمون في النمو فتأتي مراحل الفوضى قبل مراحل النظام ، ففي مرحلة ما يمكن أن يتقدم طفلك بخطوات سريعة وعظيمة في قدرات معينة ثم بعد ذلك يحتاج الى نظام جديد ولكن أثناء مرحلة نموه وتطوره ربما تسود الفوضى ويسوء سلوك طفلك ، فالمهارات التي إكتسبها سوف تختفي فجأة وسوف يعم نظام الفوضى والإضطراب لوقت ما ،  فلا تقلق لأنه بعد فترة معينه سيسود الهدوء وسوف يقوم خلالها بإظهار مهارات جديدة أو المزيد من المهارات المتعلمة والمتناسبة مع عمرة العقلي او الزمني .

يحدث في فترة النمو الكثير من التصادم بين الوالدين والطفل لعدم إدراك الوالدين بمدى أهمية التربية الصحيحة والتي تحتاج الى تخطيط طويل المدى ووضع الأهداف لها ،  فالوالدين قد تربوا بطرق مختلفة ، فكيف نشأوا سيجدون ان تلك الطرق هي المثلى في التعامل وفي حل المشكلات اليومية ، هذا أن كان على المستوى الشعوري ،  أما على المستوى اللاشعوري والجسماني فما يحدث أثناء الصراع هو عملية تحول في مخك حيث يتحول مركز التحكم قشرة الدماغ وهي الجزء الواعي والمنطقي الى الجهاز الحوفي وهو الجزء الذي يتعامل مع الانفعالات والذكريات في المخ ، وقد إحتفظ الجهاز الحوفي الخاص بك بكل الرسائل التي تلقيتها من والديك ،  والتي يتم التنفيس عنها في انفعالاتك ، عندما يحدث هذا التحول في مخك ،  ينفتح فمك وتخرج منه كلمات والديك ،  وعندما يحدث ذلك تصبح كالآلة التي تدار آليا, من خلال برامج تم تصميمها بدخلك منذ سنوات ،  أنك قد أصبحت صورة لأبيك او أمك تردد نفس الكلمات وتستخدم نفس الأسلوب الذي اقسمت يوما ما بأنك لن تستخدمه ابدا ، ولكي تتحرر من سيطرة هذا النظام الانفعالي ،  يجب ان تحرر نفسك من سيطرة الجهاز الحوفي الخاص بك ،  حيث ينبغي عليك ان تتحكم في غضبك وإنزعاجك ،  فبعض الأشخاص قد تربوا على لغة الخوف فأصبحت تلك اللغة هي المستخدمة في التربية وأصبح الوالدين يلقون الضوء على عيوب ابناءهم وكأنهم يستخدمون بذلك القلم الفسفوري الخاص بهم لإظهار العيوب وتجاهل المميزات وتلك المعاملة تنتج أطفال ليسوا جيدين او اذكياء بما فيه الكفاية ،  ان التربية القائمة على الخوف تثير ردود فعل بدنية ناتجة عن الضغط على طفلك تعوق قدرته على التعلم ،  فعندما يتعرض للضغط النفسي يفرز جسمه الهرمونات الخاصة بالضغوط واحد هذه العناصر الكيميائية التي يتم فرزها يسمى "الكورتيزول" إن ارتفاع مستوى الكورتيزول في الجسم ممكن ان تدمر خلايا معينة في المخ تلعب دورا رئيسيا في الذاكرة والتعلم ، إنك ترغب في ان يقوم طفلك باستيعاب وتعلم الدروس التي تحاول تعلمها له ، ومع ذلك تراه ينسى كثيرا ويتشتت لأنك عندما اعتمدت على الخوف   اعقت من نشاط المنطقة الخاصة بالذاكرة ،  والتعلم لدى الطفل فأثرت بالسلب عليه ، فالطبيعة تقوم بإمدادك بمواد البناء اللازمة لبناء وتكوين العقل البشري وتقوم التربية بدور المهندس المعماري  الذي يقوم بعمل التصاميم ، كي تستطيع ان تتخلص من تلك المشكلة والاعاقة في التربية اهتم بالتركيز على قوة الادراك لكي تصل الى مهارة هدوء النفس ، وفكر دائما بالمقاصد الإيجابية فمثلا عندما احدث ابنك فوضى في المنزل اذا فكرت ان هذا الابن يتحداك ويريد ان يعاندك فمن الطبيعي ستشعر بالغضب وروح الانتقام ولكن مع الاتفاق بان تصرفه قاصر لكنه يريد ان يوصلك رسالة بان يلفت انتباهك بانه موجود ربما حضنته او تلاعبه او حتى لتراه ،  اذا فكرت بتلك الطريقة ستتعامل مع الموقف بطريقة اكثر نضوجا وبتقبل وحل للمشكلة بصورة عقلانية ، ولكن للأسف اننا اصبحنا نستخدم الحلول السريعة فلا وقت للمحاولة والصبر فالطفل الذي من الممكن تهدئته بقطعة حلوى ربما ينمو ويصبح مفرط السمنة لأنه سيقوم بتهدئة نفسة بالطعام ، اما الطفل الذي يتم تهديده بالضرب فربما ينمو ويصبح شخصا بائسا ومضطرب المشاعر ، ففي مجتمعاتنا يتوقع الناس إيجاد حلول سريعة لكل أنواع المشاكل ،  فاذا كنت تشعر بصداع فتناول حبة دواء ، وان كنت تشعر بالتعب في الصباح فعليك بالمزيد من القهوة ،  ولكن يفترض انه عن طريق الادراك والنضج ندرك انه لا توجد هناك حلول سريعة وسحرية ، واذا ركزنا أيضا على لغة الربح والخسارة والمكافأة والعقاب غير الموجه سنخلق منها أطفال ماديين ،  لأننا وضعنا الأشياء المادية محل العاطفة والتشجيع ، وللعلم فإن صناعة الإعلان هي التي أتت بهذا الاتجاه نحو التعزيز المادي ،  امعن التفكير في كل الإعلانات التجارية التي تقترح ان المنتج يستطيع ان يقول "انني احبك" او ان نقوم بتعليم الأطفال ان قيمتهم الذاتية تعتمد على الأشياء التي يحصلون عليها ،  عندما نعتمد على المكافآت المادية ، فنعلمهم أن يشعروا بالتقدير نحو الأشياء بصورة اكبر من شعورهم بالتقدير نحو العلاقات الإنسانية ، فالمكافآت المعنوية كالابتسامة والعناق وإظهار المحبة والاستحسان وسماع الشكوى بإنصات والتقبل والفخر بالأبن عند القيام بعمل جيد،  لهو الابقى والأفضل من المكافآت المادية وإذ لا نتجاهل دور المكافآت المادية في تعديل السلوك ولكن لا تكون بصفة دائمة فالتعزيز المتقطع أبقى أثر في تثبيت السلوك من التعزيز المستمر والتعزيز المعنوي لهو الأبقى والأوفر والأفضل لشخصية الطفل ولتقوية روح التواصل بينه وبين والدية ،  أن التقبل يعني معرفة وإدراك ان الأشخاص والمواقف والأحداث لأمور ثابته فكل لحظة ببساطة لا تعني اكثر من ذاتها ،  إن المسؤولية هي القدرة على التجاوب وتقبل الآخرين بصدر رحب لتعلم بأنه عندما يزخر قلبك بمشاعر الفخر والحب ، فسيظهر ذلك لأطفالك ، أن كلماتك التي تعبر عن الإمتنان الصادق لتواجدهم أو أفعالهم تعد هدية او مكافأة لا تقدر بثمن ، وعندما ترى أطفالك يتمتعون بالثقة والإتزان ستعلم مباشرة إنك تتمتع بذلك الشي ، لأنك المربي فأطفالك هم مرآتك التي تعكس تصرفاتك وافعالك .


 إن هذا المقال الطويل جدا ، أقصد به جملة واحدة فقط وهي ( إنه يجب أن نقوم بتربية أنفسنا تربية جيدة وان نتخلص من جميع رواسبنا القديمة قبل ان نبدأ بهذا المشروع الضخم وهو تربية الأبناء )  .
 
نداء سليمان العيسى
معالجة نفسية بمدينه الملك سعود الطبية
المصادر كتاب (الاطفال سهل حبهم ، صعب تهذيبهم ) للدكتورة بيكي ايه بيلي
وبعض القراءات الأخرى