“رمضان عبر العصور” بين الأصالة والتغيرات المعاصرة

الحدث _عبدالرحمن المحمادي
شهر رمضان هو شهر الخير والغفران والبركات التي تكثر فيه الحسنات شهر العفو والتسامح ، شهر مليء بالخيرات يتبادل فيه الناس التهنئات والمحبة، حيث يتميز بالأجواء الروحانية منها صلاة التراويح وتزيين الشوارع.
رمضان، شهر العبادة والتقوى، الذي يعكس أسمى معاني الإيمان والتواصل الاجتماعي، شهد تغييرات كبيرة على مر العصور. بين البساطة الروحانية التي سادت في الماضي والأنماط العصرية التي تميز رمضان في الوقت الحاضر، يبقى السؤال: كيف يمكن الحفاظ على روحانية هذا الشهر الكريم في ظل هذه التغيرات؟
رمضان في الماضي "روحانية وطابع تقليدي" ..
في المجتمعات التقليدية، كان رمضان يتسم بالبداية البسيطة والتجهيزات المبدئية المليئة بالأصالة. مع حلول الشهر المبارك، كانت المنازل تُزين لاستقبال الضيف الكريم، وتحاط الأجواء بالعبادة والتقوى ،على مائدة الإفطار، كان يجتمع أفراد العائلة بعد يوم طويل من الصيام، يتناولون التمر والماء، يتبادلون الأحاديث والأدعية ، وتبادل أطباق الإفطار بين الجيران من العادات الجميلة . تلك كانت أوقاتًا خاصة، تملؤها الروحانية والعبادات. المساجد كانت تمتلئ بالمصلين، وكان التهجد وصلاة التراويح جزءًا أساسيًا من الروتين اليومي. لم تكن هناك وسائل ترفيه مثل اليوم، وكانت العائلات تميل إلى قضاء وقتها في العبادة وصلة الرحم.
فيما تتمثل أبرز ملامح رمضان بالماضي في الإفطار على التمر والماء وفقًا للسنة النبوية، وجبات منزلية بسيطة تحضرها العائلات بمكونات طبيعية، تبادل أطباق الإفطار بين الجيران، العناية بالصلاة والذكر، مع الالتزام بصلة الرحم وزيارة الجيران، التنافس في الأعمال الخيرية والتصدق على المحتاجين.
رمضان في الحاضر "تغيير جذري وتأثير العوامل الاجتماعية والتكنولوجيا" ..
اليوم، لا تشبه أجواء رمضان ما كانت عليه في الماضي. مع تقدم التكنولوجيا وتغير أساليب الحياة، أصبح رمضان يتسم بتغيرات ملحوظة، على رأسها انتشار العادات الاستهلاكية وتزايد الولائم الكبيرة التي تميز الشهر الكريم في العصر الحديث. الأسواق تعج بالعروض التجارية، التي تسهم في تشجيع الاستهلاك الزائد، بينما تزداد المسلسلات والبرامج التلفزيونية التي تستهلك جزءًا كبيرًا من وقت الصائمين، وعلى الرغم من التطورات التكنولوجية التي تقدم تطبيقات دينية لتنظيم العبادات، لا تزال وسائل التواصل الاجتماعي تستهلك وقت الكثيرين، مما يضعف من التواصل الاجتماعي المباشر ويقلل من روحانية الشهر.
ومن أبرز ملامح رمضان في الحاضر فتتجسد في قلة التواصل بين الأقارب ، تزايد العادات الاستهلاكية، مثل الولائم الكبيرة والمبالغة في تحضير الطعام، الاهتمام بوسائل التواصل الاجتماعي والتلفاز، مما يؤثر على تفاعل الناس مع بعضهم البعض، استغلال تطبيقات الهواتف الذكية لتسهيل تنظيم العبادات، ضعف التواصل الاجتماعي المباشر بسبب الانشغال بالأمور العصرية.
كيف نحافظ على روحانية رمضان؟
رغم التغيرات التي طرأت على رمضان في الحاضر، لا يزال بالإمكان العودة إلى الأجواء الروحانية الأصيلة لهذا الشهر الكريم. ومن أجل الحفاظ على قيمته الدينية والاجتماعية، يُنصح بالتركيز على بعض المبادئ الأساسية ومنها : الاعتدال في الطعام والشراب، والابتعاد عن الانشغال بالماديات، التركيز على العبادة من خلال قراءة القرآن، وصلاة التراويح، والقيام، إحياء العادات الاجتماعية الإيجابية، مثل صلة الرحم والتصدق على المحتاجين، تقليل وسائل الترفيه غير الضرورية، والاستثمار الأمثل للوقت في الأعمال الصالحة.
ورغم اختلاف رمضان بين الماضي والحاضر، يظل الشهر الفضيل فرصة عظيمة للروحانية والتغيير الإيجابي ومهما تعاقبت السنين سيظل شهر رمضان أصيلاً محافظاً على حضوره المبهج، فريداً لا يشبهه أحد من الشهور، مصدراً للسعادة والتسامح بين المسلمين. والتحدي يكمن في كيفية استثمار هذا الشهر بما يحقق الغاية السامية منه، وهي التقرب إلى الله تعالى وتعزيز القيم الإنسانية والتواصل الاجتماعي.