|

"الحكمي" : الوعي الثقافي السعودي ساهم في رصد تطور القصة القصيرة وتحديد مراحلها

الكاتب : الحدث 2025-02-18 11:41:45

حوار : أكابر الأحمدي 


احتفلت الأوساط الثقافية باليوم العالمي للقصة القصيرة الذي يصادف 14 فبراير حيث يهدف إلى إعلاء قيمة الأدب في حياة الفرد . 
هذا وتعد القصة القصيرة ذاكرة المجتمع وفنًا يؤرخ ثقافته ، ومرآة تعكس قِيمه وأحلامه وأساطيره وثرائه الفكري والمادي .. " الحدث "حاورت الناقدة الدكتورة عائشة يحيى الحكمي لتحدثنا أكثر عن جهودًا تنوعت وبحثت وتضامنت لتثبت مكانة القصة كفن متكامل ينعكس ضياؤه على كل منجز .

- بمناسبة اليوم العالمي للقصة .. هل استطاعت  القصة أن تجد خطًا مشروعًا، وموقفًا يناسب طبيعة التوهج العالمى؟

القصة القصيرة أحد الفنون السردية الحديثة الذي يتمتع بشخصية فنية فلسفية مستقلة ، فهو فن شديد الجمال  ، شديد المراوغة ، مثل الزئبق صعب المنال للمتلقي وللكاتب ، وليس كل من كتب ( قصة قصيرة) مجموعة قصصية أو نصوص منفردة يظن نفسه أنه وصل ، فمهما جرب وقدم  سيظل يحاول للوصول إلى التفرد والتميز ، كما ألاحظ كل ما هو متاح من إبداع في
 (قصة قصيرة) يكاد يشبه بعضه ، نصوص تسللت من جلابيب  ( المعطف ، القط الأسود ، المغفلة ، في القطار ،  نظرة ..  وغيرها من مزايين  (قصة قصيرة)، ولن أختلف عن الزملاء المشاركين في هذا الحوار من أن القصة القصيرة منذ ولادتها خطت لها مشروعًا متفردًا بين الأجناس السردية ، وستبقى في حالة توهج بفعل مرونتها  ومتعتها في التلقي ، وبفعل ملاءمتها لروح العصر الحديث ، وخصائصها المتفردة القائمة على اللغة الشاعرية العالية ، ووحدة الحدث والاختزال  وغيرها من الخصائص .

- هل صحيح أن القصة جنس مناسب لهذه الأزمنة التي تمتاز بالسرعة؟ 

ليس هناك المناسب وغير المناسب في الأجناس والأعمال الأدبية والفنية ، فلكل جنس منهجه وفنياته ومساحته  وجمهوره ، وكل مهتم يقرأ ما يناسبه الرواية ، قصة قصيرة , قصية قصيرة جدا  ، أو السيرة الذاتية ، أو المسرح أو الشعر , الأفق يتسع للجميع ، أنا ضد من يقول نحن في عصر الشعر ، أو عصر الرواية ، أو عصر (القصه) ، كل لون يحظى بقراءات عادية، وقراءات علمية ، والدليل إصداراتها في تسارع ، والطلب عليها يستمر  ، كل الأجناس حاضرة وإن وجد تمايز  يرجع إلى جهود المبدع ، والبحث عن هوية سردية جاذبة .. 

- هل القصة القصيرة ضحية الإعلام الثقافي ودور النشر التجارية؟

 المبدع هو من يتحكم في مسيرة القصة القصيرة ، فطالما  ثبت حضور القاص شغفًا ومعرفةً وتلقيًا وإبداعًا وإصدارًا وتنظيرًا وأبحاثًا ، فإن القصة ستبقى عصية على عبث  ورهانات خاطئة ، فمنذ أن ولدت  (قصة قصيرة ) في القرن 17م ، وهي تنافس نظيراتها من فنون السرد غير قابلة لأن تكون ضحية ومزاج  إعلامي أو تجاري  .. 


- إلى أي حد ساهمت معارض الكتاب و الأمسيات في إعطاء حراك وزخم كبير للقصة القصيرة وكتابها؟

تحتل معارض الكتب والأمسيات وورش التدريب والدراسات  النقدية مكانة هامة وذلك لزيادة الانتشار بين القراء ، وخير دليل منصات التوقيع في المعارض يوميًا التي تشهد فعاليات التوقيع . وفي المعارض يجد قارئ القصة القصيرة طلبه ، وعليه أن يختار ما يناسب ذائقته وما من فعاليات مصاحبة ليوم القصة العالمي ستسهم في اتساع رقعتها وزيادة الاحتفاء بها على كافة الصعد .


- فن القصه القصيرة جدا واقعية أم عبثية تبناها التجريب؟ 

 القصة القصيرة جدًا تحمل أكثر من عشر مسميات مثل ( الصغيرة  والرصاصة  ،  الكبسولة  ...  ) أحدث الأجناس السردية ، قد تكون سطر أو أقل أو كلمات . ولدت  في رحم الصحافة ، تشير الدراسات النقدية إلى أن أول نص (ق .ق .ج )كتبه (  أرنست همنغواي )مكون من ست كلمات هي: ( للبيع : حذاء طفل ، لم يلبس قط  ).

  هذا الجنس ولد لضرورة التطوير  والتحول الدائم في حياة البشر . و إن السعي لاستنهاض الفكر الإبداعي من أهم الأهداف الحياتية للانسان  .. دوما يسعى للجديد ، فكلما مضى زمن دون ابتكار ، أو تجريب دلالة على خمول وجمود الفكر ، لذلك ظهور أي ابتكار أمر واقعي حتمي وضروري  لاختبار استمرار القدرات ومنها  (قصة قصيرة جدا )؟ تمثل ولادتها  حالة طبيعية بعد أن اجتازت الرواية والقصة القصيرة  البدايات والنشأة والتطور ، فكان لزامًا  البحث عن المختلف  ، تتفق (قصة قصيره جدا  ) في البناء على ذات الأركان التي تبنى عليها أخواتها السردية ، والذي قد يحدث بعض الالتباس بينها وأخواتها  لكن الاختلاف كما يشير بعض المجربين ( الجرأة ، التكثيف ، وحدة الموضوع ) و القالب  الذي تصب فيه قصة قصيرة جدا ، كذلك وعي المبدع بما يخطط له وثقافته تحدد خصائصها الجديدة .. إذا القضية ليست عبثية اختطها التجريب ، إنما هو فن فرض وجوده الواقعي  ومما يثبت ذلك أصبحت ندًا للقصة القصيرة  ، يفتخر أنصارها بتميزها تحظى بالحضور في الذاكرة الثقافية من حيث التلقي والإبداع والتنظير والدراسات .. 

- هل  غياب النقد الجاد عامل من عوامل توسيع الفجوة بين القراء والقصة القصيرة؟- 

يقود المتلقي إلى النص _ كما أرى _ الذائقة الخاصة ورؤيته الذاتية ومن ثم يأتي النقد بصفته النص الموازي الذي يعمل على فرز الغث  ، ويستبعده ويثبت الجيد ويشهره ، فهو يساعد المتلقي على اختيار الجودة  والمحافظة على رقي الذائقة وسلامة المدخل  . وإن وجود النقد يعد تنبيه المبدع إلى التجريب المستمر ، وتجويد النتاج ، وهذا يعني أن العلاقة بين النقد و القصة علاقة مطردة و علاقة نفعية والدليل حرص المبدعين على إيصال إصداراتهم إلى الباحثين والنقاد في أي مكان من أجل أن يحظى  العمل بمقال ينشر أو دراسة أو بحث ، على المستوى الشخصي ألمس ذلك ويحسنون الظن في قلمي أن  أقدم  ما يتمنون من أبحاث ، وأنني في حرج من الأعداد المتزايدة من الهدايا في الرواية والسيرة والق القصيرة والقصة القصيرة جدا)ك لتقصيري البحثي ، وإنني ممتنة لكل مبدع جعلني أعيش تجربته ، وكل الباحثين تصلهم ، ومطلوب أن يتوازى الإصدار النقدي مع الإصدار الإبداعي  فإذت قصر في ذلك  تتجه الحالة إلى الخلل . 

- مادور  الجوائز الأدبية التي ظهرت في مجال القصة القصيرة حيث بعثت روح التقدير لذلك الشكل السردي؟ 

الجوائز الأدبية تحصيل حاصل ، الأديب وهو يعمل على إرساء مشاريعه  لا يحسب لها , يعمل فقط على تجويد منتجه  وإثراء الساحة الثقافية بمتابعة الإصدارات ، والتنافس على صدارة المشهد في الجودة والتميز وغزارة النتاج ، وكل مبدع ينظر إلى الجوائز وشهادات التقدير بمنظار يختلف عن الآخر بعضهم  يسعى  إلى الحصول عليها كدليل على إتقان مشاريعه ، وأنه يستحق الاحتفاء  بما يقدمه  , وبعضهم  يعاني من العوز أو ضعف قدرته المادية وحاجته إلى دعم مشروعه . والجميع يعرف سعي الأدباء على مر العصور إلى الجوائز والمكافآت بطريقة الهبات والأعطيات العينية والمادية  أو بما كان يسمى بالتكسب كون صناعته الثقافية هي مصدر رزقه ، وقد يتفرغ لخدمتها ، فتكون الجائزة أساس لاستمرار النتاج المعرفي ، وقد عرف عن الخلفاء العرب في الماضي إقامة معارض لنتاج الشعراء ، يخصص لكل شاعر مساحات من الأرفف لكل قصيدة رف وبجوارها ترجمة للشاعر  ،،والرف الأخير يترك فارغا فإذا استعرض الخليفة المعرض للجائزة  يدس في الركن الفارغ صرة من الدنانير ؛ حفاظا على عدم  إحراج الشاعر ..


- هل المقصود من تراجع فن القصة هو هبوط مستوى القصة كعمل إبداعي؟ أم انكماش جمهور قرائها؟ أم أن تراجع بعض دور النشر عن نشر الكتب القصصية هو القابع وراء هذا التصور؟

  أي جنس أدبي معرض للنمو والازدهار أو التقهقر  وفقا  لنصيب المجتمع من الرقي المعرفي ،  وما يحققه من إنجازات ثقافية ، يقول الأديب و الفيلسوف الألماني ( برخت ) : " اعطني خبزا ومسرحا ... أعطيك شعبا مثقفا "   ومجمل الفنون السردية تمنح الشعوب قوة بارزة في العالم  تكون فكر الشباب وذوقه ، فهي مدارس دائمة لتعلم  القيم والفضيلة والثقافة والحياة ، ونحن في هذه المرحلة نشهد  تنافسا بين الأجناس الأدبية  ، كل يعمل على إنجازاته وإثراءه المشهد الثقافي ، ولم ألاحظ  التراجع المزعوم  ، وبهذه المناسبة ، سألت البارحة عدد من الفتيات في أثناء حضور أمسية قصصية بمناسبة اليوم العالمي للقصة القصيرة للعام ( 2025 ) قبل الانتهاء من هذا الحوار ، وكان هذا السؤال الحواري في ذهني فقلت لهن هل لكن اهتمام بالقصة القصيرة  فكانت الإجابة _ غير مفاجئة لي  _ أحب القصة القصيرة ، فهي ممتعة جميلة ومناسبة لعصرنا    ، وهذا أحد أدلة نفي الهبوط المزعوم  ، وبعد الأمسية سألتني أكثر من فتاة  تقول عندي نصوص قصصية أحتاج أحد يساعدني في استمرار الكتابة ، لم نكن نعرف بوجود مثل هذه الأمسية ،  الأمر الآخر تهافت الحضور على الحصول  نسخة من قصص القاص ضيف الأمسية ، وفي هذا العام  وعلى مدى أسبوعين ، أقامت  16 منطقة سعودية أمسيات قصصية حظيت بإقبال كبير من عشاق القصة القصيرة .. فعلاً من يتابع تلك الأمسيات سيجد تردد صوت القصة القصيرة وتقنياتها وفنياتها في الأوساط  الأدبية والإعلامية  مثل مصطلحات التكثيف .. الدهشة ..الومضة ..الإيجاز.. وغيرها من التقنيات ، كذلك توجد مبادرة هيئة الأدب والنشر والترجمة  (الأدب في كل مكان  ) ، إذ خصصت أجهزة إلكترونية في المراكز التجارية والمطارات والمشافي  وغيرها إذ يطبع المهتم النص القصصي فورا من الجهاز  حسب ما يرغب نص يقرأ في دقيقة وهو (ق .ق .ج ) أو ثلاث أو خمس دقائق  ، وفي كل عام تشهد الساحة الثقافية مئات إصدار المجموعات القصصية ، وتشهد بذلك وسائل التواصل الاجتماعي  ، كذلك  طوال العام نحضر أمسيات وورش افتراضية تحتفي بالقصة القصيرة وكتابها خاصة ما تقدمه ( منصة هاوي )، وعندي قناعة تامة أن  تصور تراجع القصة القصيرة في هذه المرحلة تصور غير منطقي وغير دقيق . فالقصة القصيرة تعد ذاكرة المجتمع، وفنًا يؤرخ ثقافته ومرآة تعكس قِيمه وأحلامه وأساطيره وثرائه الفكري والمادي.