|

 بدر العسيري : حين تكتب وتنشر عليك بما يحتاج إليه الناس وما يمكنه أن يربّت على اكتافهم بلطف أو يلامس أعماقهم بصدق .

الكاتب : الحدث 2023-05-23 04:04:51

 

الاسم : نوره محمد بابعير


كاتب و روائي ومهندس معماري ، حاصل على تخصص هندسة التخطيط و التصميم العمراني من جامعة الملك سعود بالرياض ، لديه عدة مؤلفات ولقاءات تلفزيونية ، يتميز بالسرد و غزارة الوصف في مساحة الكتابة ، قال عن الكتابة أن " دخول عالم الأدب بالنسبة له كانت مغامرة و مخاطرة مخيفة ، وكان مترددًا للغاية . حقق مؤلفه " مذكرات رجل خائف " رواجًا كبير في دول الخليج وظل دائما يقدم للقرّاء مؤلفات بأساليب مختلفة تجذب قارئها للقراءة والمتعة فيها .



البدر في سيرة الحياة …


- لكل إنسان سيرة تدفعه إلى خيار الأشياء وميول الأفكار لها ؟ حدثني عن الدوافع التي تثير ميزة الكاتب بدر العسيري ؟

أعتقد بأن الدوافع الحقيقية هي ما يثيرنا على أرض الواقع، هي تلك المحطات التي نقف فيها لنتأمل حدثًا ما, وأظنه المحرض الرئيسي. كنت و مازلت أقول بأن الكاتب متأمل وهذا ما يدفعني للكتابة عادة، لذا فالصوت الأعلى لكتاباتي غالبًا ما يكون من خلال حقائق قائمة نتشارك فيها بطريقة أو أخرى.

- التجربة مثل بوابة الريح ، تحدث عن تجربة أثرت في أبداع الكاتب بدر العسيري ؟

الألم. أجل إنه رحمٌ أُنجِبَ منه كثير من المبدعين. لقد مررت بتجارب قاسية وأظنها كانت شعلة قلمي. لا أجد حرجًا لأعترف بذلك، فهي عين الحقيقة.


- بين العمل وبين الشغف رغبة ، قال الكاتب السوداني أمير تاج السر مهنته في الطب كان لها دور كبير في في الكتابة ، هل تخصصك في مجال الهندسة له دور في تكوين الكتابة ؟

إطلاقًا، شتّان ما بين البين. بل أن عديد من قرائي الذين توقف اهتمامهم بمعرفة تفاصيل أكثر عن الكاتب أكاد أجزم أنهم لا يعرفون مهنتي وربما حتى لن يتوقعوا ذلك.

- نّقطة الإنتهاء من الأشياء و من مؤلفاتك تأخذك إلى مراحل أعمق ، كيف يتعامل بدر العسيري مع عمق الكتابة ؟

ثمّة عمق محبب المهم ألا يصبح غموضًا كالذي يقال عنه المعنى في بطن الشاعر. هذا غموض مستفز كان الأجدر به البقاء حبيس أدراج كاتبه. بيد أن العمق الذي تغوص فيه الكلمات لتجوب دواخل القارىء وتلامسه فهذا ما يجعلك تفرّق بين كاتب و آخر وتميّزه أيضًا.

الكتابة منَ زاوية البدر …

- الكتابة تلح على كاتبها حتى تُكتب ، تحدث عن الإلحاح بالكتابة و حبسة الكاتب ، وأيهما ذَات قوة في إنتاج غزارة الكتابة الإبداعية؟

الالحاح هنا أشبه بالغريزة التي تدفعك للاستمرار دون توقف. و أن تنمو بشكل مستمر، لكن عليك التنبه بأن ليس كل الحاح يحق لك الافصاح عنه، فثمّة مشاعر طارئة لا يتوجب أن تنجرف خلفها لتظهر للعامة، وأحيانًا قد يفقدك ذلك الالحاح قيمة وجودك في طابور الأدب فلربما يفقدك جودة المحتوى أو قد يجعل الآخرين يصابون منك بالملل ويصبح حضورك مبتذلًا. بالمقابل فحبسة الكاتب هي مرحلة صعبة جدًا تشبه أحيانًا ما يشعرن به النساء أثناء الولادة، وأقول ذلك على صعيد الفكر ان جاز المثال فيشق عليك أن تنجب فكرة تود فعلًا المغادرة على هيئة نص أدبي، لكنها تتسمر في مكانها ومهما بلغت محاولاتك فهي لا تفعل كما تريد. للأسف لا يوجد عمليات قيصيرية تساعد بنات فكر الكاتب على تجاوز هذا الطلق المؤلم والانجاب بشكل مريح. إنها مرحلة صعبة بالفعل، وربما تكون ايجابية - أحيانًا - فهي تزيد من جودة ما يفكر فيه الكتّاب الذين يأملون بالعودة من خلال مولود أدبي جميل يستحسنه القرّاء، وترتب حضوره للساحة حتى لا يصبح ضمن قائمة الغث والسمين.

- بين المؤلفين و القراء هناك فوارق تضيف للكاتب اختلافها ، من خلال لقائك بالمؤلفين و القراء أيهما أكثر تأثيرا لإضافة معرفة جديدة للكاتب بدر العسيري ؟

القارىء.
بالمناسبة القارىء الجيد أندر من الكاتب الجيد، ولذا أرى أن بعض القرّاء هم ثروة للكاتب. خاصةً إذا ما قدّم لك أحدهم ملاحظة وأسهب في قراءاته والحديث إليك ومعك بشكلٍ مباشر دونما رتوش, وأن يكون خالٍ من النقد الجارح، ومعبأ بنوايا طيبة ونقد بناء، بلا شك مثل هذا سينير شيئًا من العتمة التي ربما لم تتنبه لها، و يشرع لك أفاقًا لم تألفها في الوسط الكتابي.

- تحدّثوا الأدباء عن إلهام الكتابة وعن قدرة الاجتهاد كيف يرى بدر العسيري الدافع الأساسي في الكتابة الإبداعية ؟

كل دافع حسب الغرض الذي كتب لأجله فالشعر مثلًا حين تنوي المدح فيلزم وجود دافع يمنحك الاسترسال وأن تلد كل جملة دهشة تتبعها دهشة، وكذلك قصائد الغزل والرثاء الخ، ومثل ذلك ينطبق على جميع أنواع الأدب. إلا أني اتساءل يا ترى هل هذا الدافع يساعدك على الإبداع أم لا؟!
لا أعرف ما هية الدوافع التي حرضت دستوفيسكي على أن يبلغ هذا الجمال في العمق ودقة الوصف ليكتب بشكلٍ مدهش وعلى سبيل المثال وليس الحصر حين قال : " ﻣﺎﺫﺍ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻌﻨﻜﺒﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺘﻠﺘﻪ ﻓﻲ ﻏﺮﻓﺘﻚ، ﻳﻈﻦ ﻃﻮﺍﻝ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺃﻧﻚ ﺭﻓﻴﻘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻜﻦ " ؟! فهل العزلة دافع ؟

بين التساؤلات والكتابة …

- للكتابة فلسفة في الفكر و الأسلوب و المعنى الناتجة منهما ، ماهي فلسفة الكاتب بدر العسيري في الكتابة وماهي فلسفته بالقراءة ؟

حين تكتب وتنشر فعليك بما يحتاج إليه الناس وما يمكنه أن يربّت على اكتافهم بلطف أو يلامس أعماقهم بصدق، ووضوح. وحين تقرأ فعليك أن تدرك أن ثمّة كتاب ستلقي به ولم تتجاوز ورقتين منه، وآخر تمنيت لو أن الكاتب لم ينته بعد, وكم تتمنى أن تعيد التهامه وليس قراءته, لذا لا مانع أن تقرأ في كل شيء حتى تكتشف ما يثير اهتمامك وينير مرادك. مؤخرًا، كثير من القراء لا يميزون بشكل جيد أنواع الكتب التي يقرؤنها حتى أن بعضهم يصف الرواية بالنصوص والنصوص النثرية كما تسميها دور النشر بالرواية، ولا أعرف ما السبب هل هي ضعف الوعي الحقيقي في التمييز بينهما مثلًا أو أن ذلك ليس من اهتمامات القرّاء ؟!
لدّي فلسفة مباشرة :
حين تقرأ، فلا تخض معركة خاسرة سلفًا بالبحث عن الكاتب بين أسطر الكتاب فأنت تضيع وقتك، وتهدر استمتاعك واستفادك بما لا يجدي نفعًا! ثم تذكر أن الكاتب هو بشر يصيب ويخطىء, وهنا نقطة التوقف التي يجب أن يتنبه لها كل قارىء. المثاليات التي تحظى بها داخل الكتب ليس شرطًا أن تكون واقع حياة الكاتب او حتى ربما في حياتك، فالحياة لا تقاس بمجرد فكرة لكاتب وان كان المفضّل لديك.

 

 


- الآراء في النصوص تتجسد على حسب رؤية قارئها وناقدها، متى يرى الكاتب بدر العسيري قوة النص من ضعفه ؟

في كل سهل ممتنع. أن اكتب للجميع دون اكتراث بما نراه من تصنيف بين القرّاء مبتدىء ومتوسط ومتقدم كما تفعل بعض متاجر الكتب، ويصبح هذا النص فعلًا يستحق أن يصافح الذائقة وإن خالف بعضهم فإرضاء الناس غاية ان تدرك على الإطلاق. كما أن النصوص التي لا تبنى على وصف موجز وتشبيهات وصور مجازية هي وإن كانت وجبة صحية فهي خالية من الملح، غير مستساغة.

 

 


-الفشل أحيانا يكون قفزة للنجاح ، ماذا يفعل الفشل في الكتابة و ماذا يفعل الكاتب في حال وقوعه فيها ؟

الفشل هو جزء من محاولات لا أقل ولا أكثر. ولا ينبغي أن يذهب إلى أبعد من هذا الأمر.
أما الشق الثاني من سؤالك : فأنا لا أعترف به، وحين اعترف بوجوده أشن حملةً داخلية شرسه ضده فتتحالف كل أعضائي وجوارحي على طرده. فكونه جزء من الحياة فهذا لا يعني له أن يمكث بداخل أحدنا.

 

- هناك كتب تحيا وأخرى تموت ، سبق تحدث الكاتب إبراهيم الكوني " بأن النص يحي بعد موت كاتبه لأن النص من بعده هو من يحي نفسه بنفسه دون تدخل الكاتب فيه " تحدث عن رأيك في هذه الكتب وعن أسباب وقوعها في هذا الأمرين ؟

صحيح، كتاب ثمانون عامًا بحثًا عن مخرج ما يزال عالقًا في ذاكرتي، بعد ان وصلت للدقة المقابلة من الكتاب عرفت بأني قد انهيته، لكنه بقي حيًّا بداخلي على الرغم من استشهاد كاتبه لأنه استفرد بفكرة لطالما صالت وجالت بداخلي على هيئة أسئلة مزعجة، للأسف جدًا أن الكاتب لم يسعفه الوقت لإجابتي أيضًا لقد استشهد في المنعطف الأهم من الحكاية التي بقيت عالقة لا تموت ولا تعيش حياة كاملة.
إحدى عشر دقيقة للعجيب باولو كويلو وهو الذي يكتب بحكمةٍ متناهية بقي في ذاكرتي قيد الحياة، فلك أن تتصور بأن هذا الكتاب الذي وضعت عليه اشارة +18 هو مدرسة انسانية صرفه. كيف أنه غيّر مسار فكرة ليجعل منها ضوءً ينير العتمة. أحيانًا ليس المهم فيما تقرأ بقدر ما يسكن رأسك من أفكار وعلى ضوئها يحيا نص فجأة أو يموت، ويخلد كتاب أو يدفن في مقابر النسيان.


- ماذا تحتاج الكتابة لتسمى الكتابة إبداعية وماذا يحتاج الكاتب بدر العسيري حتى يكتب ؟


لا أعرف حقيقةً مالذي يجعل من كتب باولو كويلو الأكثر مبيعًا حول العالم رغم أن كثير من النقّاد يرون أنها لا تستحق، وذاك ما يحدث مع الأديبة الرائعة أحلام مستغانمي، وفراشة الأدب " شهرزاد " في الواقع، لسنا من يحدد تلك القيمة الإبداعية و على من يقرأ أن يخبرنا بذلك.

أمّا عني فبكل بساطة أحتاج إلى قلمٍ و ورقة وفكرة مدهشة .

-من خلال رؤيتك للنشر والثقافة في الوقت الحالي ، تحدث عن رأيك عن دور الثقافة في تطوير المجتمع ؟ وهل بيئة المثقفين كافية لتساهم في إيصال نشرها أو هناك خطوات ما زالت تحتاج أن تؤخذ من خطوات النشر في الثقافة ؟

هي في أفضل مراحلها، بل أعتقد أنها أخذت منعطفًا مغايرًا عمّا كانت عليه سلفًا.
نحن نعيش في أزهى وأوج توسعها وانتشارها و اهتمامها في تطوير المجتمع ويكفي أن الوصول إليهم أصبح أسهل من أن ترفع كأس الماء لتشربه. لا شك أن هناك ثمّة أخطاء قد تقع أو تقصير، إلا أن الجانب المضيء والمشع يفرض نفسه.

 

في ضوء المكتبات والقراءة …

-أرتبط اسم الكاتب ألبرتو مانغويل بالمكتبات ، وهناك كاتب وكاتبات آخرين ارتبطوا بطقوس المكتبات ، تحدث عن علاقة الكاتب بدر العسيري إتجاه المكتبات و كيف بدأ في قراءة أول كتاب ؟

أنا قارىء جيد لكني لست نهمًا في القراءة ، ولست من رواد المكتبات. ولم استفد منها عدا في بعض البحوث إبّان دراستي بالمرحلة الجامعية. لا اتذكر أول كتاب لكن أعرف أن كثير من الكتب توقفت عن اكمالها للأبد والقليل منها أكملته بسعادة، رواية ساق البامبو على سبيل الجمال كانت من ألذ ما قرأت حتى يومنا هذا ولم ولن يستطع سعود السنعوسي تكرار مثل ذلك ليس تشكيكًا في قدراته أو أن يكون قد نضب ماء فكره عدا أن العمل استثنائي جدًا .



-المكتبة تجمع لك عدة عقول متسعه بما تحمله من الأفكار والأساليب المختلفة ، في أي حمجال يقرأ الكاتب بدر العسيري ؟

أحب الفلسفة والأدب وأقرأ في كل شيء عدا السياسة والاقتصاد و كتب تطوير الذات التي استغلت جيوب القرّاء بلا فائدة. اعتذر للمهتمين على قول مثل ذلك.


-بعض القراءات تبقى عالقة في الأذهان ، كيف يتعامل الكاتب بدرالعسيري مع بعض القراءات العميقة ذات الأثر ؟


ألتهمها. عقلي يفعل ذلك. وأحيانًا ألصقها على جدران الذاكرة .