|

واسعوا في مناكبها

الكاتب : الحدث 2021-04-21 07:18:31

"الضربات تكسر الزجاج ولكنها تصقل الحديد"، كلمات لا أعرف مصدرها ولكنها أصدق ما قِيلت في أن المحن تصنع الرجال وتبرز العظماء. فكم من رجالٍ ماتوا غرقاً في همومهم حتى لفظوا أنفاسهم الأخيرة، وكم من العظماء لم يذع صيتهم إلا من رحم العناء. فلا توجد محنة إلا ولها حل، ولكن كلٌ يرى بحدود مد بصره، والفطين هو من ينظر إلى المشكلة من زوايا عدّة. وكما لكل مشكلة لها جوانب سلبيه لابد أن يكون لها جوانب إيجابية، وقد قِيل في المثل الشعبي قديماً : "الخير في أعطاف الشر ". 

ويصور لنا محمد شلبي في كتابه الشيق تحويل المشكلات إلى فرص :"إن المشاكل عنصر ثابت في حياتنا، كالماء والهواء، وهي جزء طبيعي، أو ظاهرة طبيعة في حياتنا، وينبغي أن نتعامل معها، كما نتعامل مع أي ظاهرة طبيعة أخرى، نتعرف إليها كما هي أولاً، ونحاول الاستفادة منها"... 
وتعتبر ظاهرة البطالة المتفشية بين الشباب هي أحد المشاكل التي يجب ردمها، وهي مشكلة لا يتوقف تأثيرها على الفرد فحسب، بل أن تأثيرها قد يمتد إلى المجتمع ككل، سواء في النواحي الاقتصادية أو النواحي الأمنية.

فالكثير من العاطلين يقبعون حبيسي مؤهلاتهم العلمية، وليس لديهم الاستعداد لتعلم مهن جديدة، وكأن التعليم توقف لديهم بعد حصولهم على المؤهلات الجامعية. وهؤلاء في اعتقادي لا يحق لهم معاتبة المجتمع، فكان من باب أولى أن يقرأوا مستقبل المهن قبل أن يشقوا رحلتهم إلى طريقٍ مسدودٍ. فهناك دور ابحاث تقوم باعداد دراسات سنوية عن المهن ومستقبلها ومدى حاجة السوق لها، لا تكلف غير أن تحرك أناملك في محرك البحث جوجل لتجدها. وحسب الإحصاءات السنوية، فإن أصحاب المهن التقنية وبالأخص المهن المتعلقة بالأعمال اليدوية لا يوجد بها عاطلون أو بالأصح أقل عطلة عن غيرهم في المهن الأخرى.

والخروج من كل ذلك هو عدم التقوقع في نفق البحث عن وظيفة، الذي قد لا ينتهي إلا بعد ضياع العمر. فهناك فرص لم تألوا الدولة جاهدة بطرحها أمام المواطن يتخير منها ما يشاء، ولكن تحتاج منه إلى همة وعزيمة لتحقيق ما يصبوا إليه. وعلى وجه المثال لا التخصيص، المهن الحرة التي أعلنت عنها وزارة الاستثمار والتجارة، منها ما يدُّر من الأرباح الكافية إن تم اتقانها. كما أن الدولة وضعت سمعتها على المحك عالمياً من أجل شعبها ووقعت تحت مقصلة حقوق الانسان الذي لا يرحم، وما زيادة الضرائب والرسوم المفروضة على العامل الغير سعودي إلا لجعل الوظائف في متناول المواطن.

 فلا تجعلوا عدم حصولكم على الشهادات المطلوبة حاجز يمنعكم من التفوق وتحدي الصعاب. فلو أدركنا أن المهن الحرة هي مفتاح الفرص مع دبلوم لا يزيد عن ستة شهور في التسويق وفن البيع أو في اصلاح السيارات، وغيرها الكثير، لتبوأتم مكاناً علياً أفضل من أصحاب الشهادات. وليس مسؤولية الدولة أن تأتي إلى دارك لتأخذك إلى العمل مالم تفكر أنت في امكانياتك فأنت أدرى بنفسك. هناك من الفرص المتاحة في سوق العمل يغبطك عليها الآخرون، فكن مواطنا حقاً وقم بدورك وضع بصماتك واسهاماتك، ولا سيما أن الدولة رفعت عن كاهلك ما فرضته على غيرك.

ولن يكلفك في الموضوع غير أن تحرك ساكنا، وأن تخرج من سجن الأوهام والتردد وتتوكل على الله، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك ١٥]

وهنا الشيء بالشيء يذكر عن قصة رجل كان يبحث عن عمل فوجد منشوراً عن توظيف قهوجي أو مقدم للشاي Tea boy للعمل في شركة مايكروسوفت العملاقة، فقدم إليها ولكن رُفض طلبه لأنه لم يكن لديه بريداً الكترونياً. فتعمد أن يبيع في الطرقات وأمام بوابة الشركة نفسها بالذات في كشكٍ للشاي والقهوة. وبعد فترة اختفى ذلك الرجل، وفي أحد الأيام تلق أحد موظفي الشركة طلب من إحدى شركات سلسلة مطاعم ذاع صيتها في أنحاء البلاد. ذهب أحد الاستشاريين لدراسة احتياجات تلك الشركة وقابل رئيسها التنفيذي ومالك الشركة، وبعد انتهاء النقاش والمقابلة طلب الاستشاري من المدير بريده الالكتروني، فرد عليه بأنه لا يملك بريداً الكترونياً اطلاقاً، فصعق الاستشاري سائلاً كيف ذلك، كيف استطعت أن تبني صرحاً تجارياً وأنت لا تملك بريداً الكترونياً، فكان الرد أكثر صعقاً من تعجُّبه الأول حينما قال له " لوكنت امتلك بريداً الكترونياً لبقيت قابعاً في بوفيه شركتكم أقدم لك القهوة أو الشاي".

تلك قصة حقيقية وليست من نسج الخيال، قصة رجل مكافح لم تمنعه كل التحديات إلاَّ أن تجعل منه رجلاً ناجحاً رغم افتقاره لمؤهلات أنت تملكها، وقد تكون أكثر منه علماً وبصيرةً، فلا تستهين بقدراتك، ولكن ابحث في أعماق نفسك من تكون وماذا تستطيع أن تضيف إلى مجتمعك. وانظر من حولك الفرص المتاحة وكن إيجابياً، وابتعد عن المحبطين وابحث عن الناجحين، فمن جاور السعيد سعد.

 

 بقلم : عثمان الأهدل
oalahdal@