|

حقيقة ثورة العرب ضد العثمانيين.

الكاتب : الحدث 2021-11-29 02:16:53

 

لو استعرضنا التاريخ الإسلامي لوجدنا للصهيونية دورًا في كل فتنة وحدث يضر بالمسلمين، وإن لم يكن الحدث من صنعهم ابتداءً، لكنهم يوقدونه ولو بعد حين، فيفسدون بين الشعوب. ويدسون أفكارهم العنصرية ويزورون التاريخ بما يخدم مصالحهم حتى يغدو مسّلمًا للعامة. فالكثير من القراء التبست عليهم هذه الدسائس بين ثنايا التاريخ ولم يعد يميزون بين الغث والسمين.

فليس كل كتاب تحدث عن حقبة ما كان صادقًا. فالقوي هو من يكتب التاريخ بما يراه في مصلحته، ولكن الغرابة في اقتناع بعض القراء وانجرافهم نحو أطروحة هذه الكتب التي خلطت الحقائق، ولم يكلف القراء أنفسهم عناء البحث والتثبت عن مضامينها.

فكانت ملابسات تاريخ الدولة العثمانية في أواخر عهدها وثورة العرب التي قامت ضدها تشوبها من الشبهات والتناقضات حتى جعلتهم في موقف لا يُحسدون عليه، فقد أساءت هذه الواقعة إلى حد كبير بالعرب على المستويين الدبلوماسي والاجتماعي، مما حاد بالنخبة من المفكرين إلى أخذ مواقف عدائية ضد انظمتها العربية متأثرين بروايات تخدم أهداف الصهيونية، غاضين الطرف عن حقيقة الخفايا التي حدثت في الجانب التركي من تناقضات وتغيرات جذرية غيرت وجهها الإسلامي إلى غربي علماني بحت يكُنُّ للإسلام حقداً وكراهيةً لا توصف ولا سيما العرب منهم خاصة.

والأكثر التباساً هو بقاء بعض الجيوش العثمانية تحارب العرب دون أهداف واضحة وفي ثناياها أطماع فردية متخفية تحت الغطاء الإسلامي، مما دفع العرب الاستعانة بالغرب للحصول على أسلحة يدافعون عن أنفسهم ضد دولة علمانية حديثة بعد خلع السلطان عبدالحميد الثاني على يد القوميين من حزب الفتاة أو كما عُرفوا بحركة الضباط الأحرار بعد قرابة الثمان سنوات، وحسب المراجع هم حفنة من يهود الدونمة سيطروا على مفاصل الحكم. واللافت في الأمر أن هذه الجيوش كانت تحارب دون ارتباطها بالحكومة المركزية التي أضعفتها المؤامرات الداخلية.

ومن ضمن هذه الجيوش، جيش فخري باشا الذي تربع داخل المدينة المنورة لمدة سنتين وسبعة اشهر وبالتحديد بين عامي ١٩١٦-١٩١٩م بجيش قوامه سبعون ألف مقاتل محاولاً بناء امبراطورية على انقاض الدولة العثمانية على حساب العرب، رافضًا الاستسلام، بحجة أنه لن يسلّم المدينة النبوية للإنجليز. والذي أصبح فيما بعد ضابطاً في جيش المجرم ⁧‫أتاتورك‬⁩ وسفيرًا لتركيا لدى كابول (أفغانستان) بين عامي ١٩٢٢-١٩٢٦، ثم تم ترقيته لرتبة فريق عام ١٩٣٦، فلا أعلم أين حميّتَهُ الدينية المزعومة التي كان يتغنى بها.

قد يكون الخوض في هذا الموضوع شائكًا نوعا ما وقد لا يستساغ من البعض كونه أصبح من العلامات الفارقة في مناهج بعض الدول العربية، وخصوصًا مناهج الدول التي لها مصلحة في تشويه كل عربي أو مسلم، أبواقًا مساندة لماكينة الإعلام البريطاني التي دأبت في تشويه كل موضوع سامي لا يخدم أهدافها الاستعمارية. ولربما نتذكر قصة ريا وسكينه اللتان كانتا ضحية التشويه البريطاني المقيت، فهاتان السيدتان كانتا من المناضلات ضد الاحتلال البريطاني في مصر، وغيره الكثير من القصص المغالطة للحقيقة.

قد ينتقدني البعض على هذه المقالة ولكن لا بأس في سبيل إظهار الحقيقة من وجهة نظري، وهذا لا يعني أن من خالفني أكن له العداء، فرحم الله من قال: "إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية"، و إن عُرف السبب بطُل العجب، وفي هذه المقالة أحاول أن أمسك بخيط الحقيقة لعل المخالفون يقتنعون بأطروحتي. الكثير تغاضوا عن وقوف بعض العرب موقفا مشرفاً عندما رفضوا قرار منح القدس لليهود، ورسخت فقط في أذهانهم محاربتهم لجيش فخري باشا الذي كان يحارب من أجل احتلال صهيوني مقيت متلبسا بغطاء الدولة العثمانية التي نخرها من الداخل وجعلها لا تتخير عن الدول الاستعمارية، وقد يُظهر بعض المغلوبين على أمرهم مستندات يدّعون أنها من أرشيف الوثائق البريطانية التي هي أصلاً مزورةً، يدلسون بها على الشعوب دون خشيتهم من الله. 

فحقيقة الأمر أن العرب لم يثوروا ضد الدولة العثمانية أو السلطان عبدالحميد الثاني كما زعموا، بل ثورتهم قامت عندما تبين لهم أن القيادة المركزية في إسطنبول تغير منهجها وأصبحت أكثر شراسة على الإسلام والمسلمين. علمًا أن الثورة لم تحدث إلاّ عام ١٩١٦م، بينما كانت نهاية حكم السلطان عبدالحميد عام ١٩٠٩م، والذي انجلى معه الوجه الإسلامية للدولة، وهنا ليس غايتي تنزيه العرب تماما، فهم مثلهم مثل الآخرين كانوا يسعون وراء بناء امبراطورياتهم على غرار الدولة الأموية والعباسية وحتى العثمانية، فكل أمة تأتي تنكل بسابقتها، فهذه هي طبيعة تَكّون الامبراطوريات في بداياتها، كما حدث مع الدولة العثمانية، التي لم تأتِ إلى العرب بالورد والريحان، بل سالت فيها الدماء وقُتلت الأنفس، وليست منزهة وملائكية وإلّا أصبحنا سذج إن اعتقدنا ذلك. 

كما أن المراجع لم تذكر أن العرب استعانوا بفصيل أو حتى بعناصر من الجيش البريطاني، سوى ذلك الثعلب المدعو لورانس العرب الذي فرض نفسه جاسوسا للصهيونية لصياغة الوضع. بل أن بريطانيا هي من استغلت طموح العرب بالحكم ووظفت الوضع لصالحها، ودلست التاريخ بما يخدمها في توسيع الهوة بين العرب والعجم تحت إشراف ومباركة الصهيونية العالمية، فبثت نعرات القومية في تركيا ابتداءً، بالتعاون مع يهود الدونمة المتخفين تحت القومية التركية.

ولمزيد من الحقائق المبهمة راجعوا حركة التتريك والطورانية، وهناك مراجع كثيرة تحدثت عن ملابسات الوضع في نهاية عهد الدولة العثمانية، أنصحكم الرجوع إليها لمن لم يقتنع بما ذكرت والتثبت من الحقائق. ومن هذه المراجع على سبيل الذكر لا الحصر كتاب "العلمانية وأثارها على الأوضاع الإسلامية في تركيا" ومؤلفه عبدالرحيم مشهداني، وكتاب "سقوط الدولة العثمانية دراسة تاريخية في العوامل والأسباب" ومؤلفه د.عبداللطيف محمد الحميد، وكتاب "الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة العثمانية، ومؤلفه د.مصطفى حلمي ولو انها لم تكن في الأساس خلافة اطلاقا بل هي سلطنة، وهناك العديد من المراجع العربية التي تدحض رواية الغرب المجحفة للعرب التي غايتها هو بناء حاجز نفسي عدائي بين الشعوب الإسلامية والعربية.

 

بقلم : عثمان الأهدل …