|

التفكير الناقد بـيـن التنوير والتثوير

الكاتب : الحدث 2021-09-01 10:43:15

إن الحداثة في أبسط تـجلياتـها تُشيـر إلى الوعي بالذات في إطار الزمان، وهو ما يستلزم إجراء المراجعات الفكرية لما يتصل بالذات في علاقتها بالآخر، وفي قدرتها على تحقيق ما تصبو إليه من إنـجازات على كافة الأصعدة.
وما تقوم به وزارة التعليم من مـحاولات جادة في سبيل تـجديد الدماء، وتـحريك الماء الراكد في بـحر التعليم، وهو بـحر موَّار بكثيـر من الأمواج المتضاربة المتلاطمة ليل نـهار، يهدف في المقام الأول إلى ترشيد الوعي، وتـجديد آليات الخطاب؛ سعياً إلى تعزيز الروح الوطنية في نفوس أبناء هذا الوطن المبارك، وأملاً في تـحسين مـخرجات التعليم التي هي، واحد من المعايير الحقيقية التي يُـحكم في ضوئها على كفاءة الجـهاز التعليمي بـمؤسساته المتعددة الضاربة بـجذورها في كافة ربوع الوطن.
ولعل ما تـحقَّقَ بالفعل من ابتداع مسار جديد لنمط التعليم مـمثلاً في نظام ( المسارات ) الذي يشهد ــــ على سبيل الـمناهج التعليمية ــــ طفرة فكرية كُبرى، تـتمثل في إضافة عدد من المقررات الجديدة التي تلبي حاجة الـمجتمع إلى التطور، والـتحديث، ولا يتسع المقام هنا لعرض كافة هذه الـمناهج الساعية إلى إحداث تغير نوعي في طبيعة التعلُّم، وكذلك في البنية العقلية والفكرية للمتعلم؛ ولذا فإنَّ الإشارة إلى تـحقق واحد من تجليات هذه الطفرة الفكرية والمنهجية، مـمثلاً في كتاب ( التفكير الناقد)، ربـما كان كافياً؛ لإظهار ما يـمكن أن يـتحقق من إعلاءٍ لقيم الفكر المستنير، والتطلع إلى تغيير إيجابي في وجه الحياة، من خلال تنوير حقيقي لعقول الشباب، يُصاحبه تـثـويـر لقدراتهم، وإخراجها من مكامنها؛ لـخدمة الوطن، ورؤيته في المستقبل القريب.
ولعل التفكير الناقد في حد ذاته، يـُمثل إحدى مـهارات التفكير العليا، التي تـمنح العقل قدرةً على التقييم، وإصدار الأحكام المستندة إلى التعليل والبرهنة، وهو بدوره ما يـمنح الذات قدرة على الاستدلال، وهو ما يصاحبه قدرة على الإدراك المتكامل للمواقف الـمختلفة من كافة أبعادها.
كـما أنَّ هذا الضرب من الفكر من شأنه تـحرير الذات من النظرة العاطفية المـحكومة بالهوى، وكذلك من شأنه تـحرير العقل من المراهقة الفكرية البعيدة عن المنطق العلمي الـمُحكم، والنظر القائم على الموضوعية والعقلنة.
كل ذلك يصبُّ في صالح الـمجتمع؛ إذ يَنْأى بالتعليم ومؤسساته عن الحفظ والتلقين، وإنتاج عقول عاجزة عن مسايرة حركة الزمان، وتغيير مسارها الفكري من جـمود الثبات، إلى حركية التطور، ومرونة الحداثة القائمة على المواءمة بين الأصول الفكرية والدينية للذات، وما ترتجيه من مواءمة مع حركة التقدم إلى الأمام.
إنَّ التطورات الكبرى التي تـموج بها الحياة من حولنا، تفرض علينا ضرورة مراجعة المسار التعليمي الذي نقبع في دروبه العتيقة منذ زمن، وكذلك تفرض علينا مواجهة الواقع بعقلية تستشرف المستقبل؛ سعياً إلى امتلاك أدوات تـحصيل المعرفة، وتـمحيص مكتسباتها، وتقييم ما يتصل بها من مناهج وغايات، وهو بدوره ما يقود المجتمعات الراغبة في التقدم، حتى تـجد لنفسها مـكاناً ملائماً في درب المستقبل، وحتى تضمن لنفسها مساحة من الوجود الفعَّال والخلاَّق في مسارات الزمن؛ حتى لا تذوب في أُتون الثبات الخانق، والـجمود المفضي إلى الـموت.

 

بقلم: الدكتور مرعي بن مـحمد الوادعي
23/1/1443هـ