|

موقع الأخدود متحف تاريخي حي عمره فوق 2000 عام

2020-03-10 03:16:58

تحتضن منطقة نجران العديد من الأماكن الأثرية والتاريخية والسياحية ومن أبرزها: موقع الأخدود الأثري، وقصر الإمارة التاريخي، وآبار حمى، والعديد من القرى التراثية المنتشرة على ضفاف وادي نجران.

فقرية الأخدود التي تقع على مساحة 5 كيلومترات مربعة جنوب غرب المنطقة وتحكي قصة أناس عاشوا قبل أكثر من ألفي عام ورد ذكرهم في القرآن الكريم.

وقد شهد موقع الأخدود الأثري بمنطقة نجران إِقْبَالَاً كبيراً  الزوار من جنسيات مختلفة ومن أَهَالِي وزوار المنطقة خلال إجازة عيد الفطر المبارك لهذا العام 1439 وذلك للاطلاع على ما يحتويه الموقع من آثار تاريخية عريقة.

واستقبل  مدير عام فرع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمنطقة نجران صالح محمد آل مريح وزملائه الوفود الزائرة بموقع الأخدود الأثري ،وأستمعوا  لشرح مفصل من آل مريح عن محتويات الموقع من  الرسومات والأسوار والنقوش الأثرية والقلعة ورحى الأخدود  واطلعوا على المشاريع التطويرية الجاري تنفيذها بالموقع.

فالزائر لقرية الأخدود الأثرية تدهشه العظام الهشة والرماد الكثيف الشاهدة على المحرقة الهائلة التي حدثت في مدينة الأخدود قبل ما يقارب 2020 سنة تقريباً، بالإضافة إلى بقايا الرسوم القديمة بنقوشها المختلفة، كاليد البشرية، والحصان، والجمل والأفاعي المنحوتة على الصخور؛ والأحجار الكبيرة، والرحى العملاقة وبقايا المسجد أحد أبرز تلك الآثار.

أصحاب الأخدود

وشهدت نجران طوال تاريخها أحداثا مهمة، تمثلت في الحملات العسكرية الكثيرة التي تعرضت لها من قبل القوى العظمى في فترات مختلفة من التاريخ. أدت بعض هذه الأحداث إلى حصارها واحتلالها، والبعض الآخر إلى تدميرها. وأبرز تلك الأحداث هي حادثة الأخدود، المذكورة في القرآن الكريم، التي ذهب ضحيتها آلاف من أبناء المنطقة في محرقة كبيرة قبل أكثر من 2000 عام. حدث ذلك بعد أن أقدم ذو نواس، آخر ملوك التبابعة على الانتقام من مسيحيي نجران، عندما رفضوا اعتناق الديانة اليهودية.

كما تتمتع المنطقة بوجود آثار ومواقع مهمة تعود للفترات البيزنطية والأموية والعباسية، وكلها تؤكد أن المنطقة كانت ذات موقع تجاري وزراعي مهم وعمق حضاري لافت.

وتعد نجران، بما سجله التاريخ فيها، متحفًا تاريخيًا حيًا، وخصوصًا بعد اكتشاف آثار متعددة. حيث تشتمل على نقوش وكتابات بالخط المسند، وهو الخط الذي استخدمته دولة “حمير” بين (115 قبل الميلاد و14 ميلادية)، ونقوش هيروغليفية ومصرية قديمة. إضافة إلى نقوش كوفية يعود تاريخها للعصور الإسلامية الأولى. وربما الأهم من ذلك، هو العثور على رسوم لبعض الحيوانات من خيول وجمال ونعام وظباء، إلى جانب مصنوعات يدوية مهمة، تثبت تواجد العنصر البشري في المنطقة خلال العصر الحجري.

وأظهرت الاكتشافات الأثرية الأخيرة أن المنطقة شهدت قيام عدة حضارات، يعود بعضها إلى العصر الحجري. عثر الباحثون فيها على آثار حضارة إنسانية تعود إلى أكثر من مليون سنة. كما تم الكشف عن آثار لبحيرات قديمة تدل على أن تلك المنطقة، الواقعة في أحضان الربع الخالي، كان لها أهمية تاريخية كبيرة، مما جعلها نقطة ارتكاز في صراع الممالك العربية القديمة الراغبة في السيطرة على تلك الواحات الخضراء. وبالتالي، شكل موقع نجران أهمية اقتصادية بوصفها ممرًا رئيسيًا لأحد أهم طرق التجارة القديمة، ونقطة التقاء لقبائل غرب ووسط الجزيرة العربية.

ويعد موقع الأخدود الأثري نموذجًا للمدن المميزة لحضارة جنوب الجزيرة العربية، وهو الموقع الذي كانت تقام عليه مدينة نجران القديمة، التي ورد ذكرها في نقوش جنوب الجزيرة العربية باسم (ن ج ر ن). ويعود تاريخ القلعة أو القصبة التي تشكل العنصر الأبرز في الموقع إلى الفترة الممتدة من 500 قبل الميلاد إلى منتصف الألف الأول الميلادي، وهي فترة الاستيطان الرئيسية للموقع.

والقلعة أو القصبة هي عبارة عن مدينة متكاملة مستطيلة الشكل يحيط بها سور بطول 235 مترا. ويمثل نظام التحصين للقلعة، الذي كان معمولاً به في مدن جنوب الجزيرة العربية، نظاما دفاعيا قويا، يحمي المدينة وسكانها من الهجمات الخارجية.

ونظرًا لأهمية هذا الموقع من الناحية التاريخية والأثرية، نفّذت فيه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني كثيرا من الأعمال الأثرية، تمثلت في إجراء حفريات داخل القلعة أسفرت عن عدة نتائج مهمة. منها اكتشاف مسجد شمال شرقي القلعة، يعد الأقدم في المنطقة حتى الآن، حيث يعود تاريخه إلى القرن الأول الهجري (السابع – الثامن الميلادي)، ولا تزال أعمال الحفر والتنقيب الأثري مستمرة في الموقع.

وكشفت أعمال المسح الأثري للنقوش في هذه المنطقة عن رسومات مهمة احتوت على نقوش صخرية متعددة ومتنوعة، يمتد تاريخها من 7000 ق.م، إلى 1000 ق. م، وتم التوصل من خلالها على معلومات مهمة عن حياة الإنسان في تلك الفترة، فسكان المنطقة آنذاك قد استأنسوا الكلاب السلوقية، واصطادوا الجمال وغيرها، مستخدمين أسلحة متنوعة منها الرماح، والعصي، والأقواس، والسهام ذات الرؤوس المزدوجة.

ومنذ أن بدأ التنقيب في منطقة الأخدود الأثرية تم اكتشاف العديد من الأثريات والأواني الفخارية، وأدوات الزينة والعملات، وتشير شواهد القبور التي تخص المنطقة الإسلامية، إلى احتواء المدينة الأثرية على منطقة إسلامية، بها جزء من القبور الإسلامية المدوّن عليها اسم صاحبها وتاريخ وفاته، وتم اكتشاف العديد من المدافن في الأجزاء الأخرى من المدينة والتي تعود إلى ما قبل الميلاد.

وتقول الشواهد إن الجزء الجنوبي والشمالي من المدينة، يبدو من خلال الحفريات وعمليات التنقيب، سكنت ما بعد الإسلام، واستُخدِم الجزء الجنوبي منها كمقابر إسلامية.ولم يتم العثور في بقية الأخدود على أي أثر إسلامي، يدل على استخدامه من قبلهم سكنا أو مأوى.

وأوضح مدير عام فرع هيئة السياحة والتراث الوطني بمنطقة نجران صالح آل مريح أن موقع الأخدود يعد أبرز المعالم الأثرية ليس على مستوى المنطقة فقط بل على مستوى الجزيرة العربية لأنه يروي قصة من أعظم القصص التي حدث في التاريخ.

وأضاف آل مريح بأن هذا الموقع جعل من منطقة نجران أحد مناطق السعودية جذباً للسياح، ولا يخلو من السياح العرب وكذلك الأجانب الذين قطعوا آلاف الكيلومترات لمشاهد أحد أهم القصص التاريخية العظيمة.

وأكد آل مريح أن الموقع يحظى باهتمام من صاحب السمو الملكي رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني وكذلك توجيه وحرص ومتابعة من صاحب السمو الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد أمير منطقة نجران رئيس مجلس التنمية السياحية للعمل على تطويره. حيث تم تسوير الموقع ووضع جلسات داخلية بالإضافة إلى ممشى ومقهى تراثي. كما يتم إجراء أعمال بحثية مستمرة كانت ولا زالت نتائجها مبهرة.

ويشير آل مريح ، إلى أن منطقة الأخدود الأثرية تحتاج إلى ما يقارب السنوات لمعرفة جميع أسرارها، وأن ما تم اكتشافه حتى الآن لا يمثل إلا جزءا من آثارها ومعالمها، وقال صالح: منذ أن تم التنقيب في منطقة الأخدود الأثرية، ومنذ عام 1997، اكتشفنا العديد من الآثار الإسلامية، مُشيرا إلى احتواء المدينة الأثرية على منطقة إسلامية، بها آثار عمن سكنها وعاش فيها خلال تلك الفترة، كما تم اكتشاف العديد من المدافن في الأجزاء الأخرى من المدينة، والتي تعود إلى ما قبل الميلاد.

وحول ما تحتويه منطقة الأخدود، يضيف: إنها عبارة عن مبانٍ مُتهدمة باق منها الأساسات والجدران، وبعض القطع الحجرية الضخمة كالرحي ومنطقة السوق التجاري، أيضا هناك بعض الكتابات والنقوش على الصخر بالخط المسند، الذي كان يستخدمه عرب الجنوب، وينتشر في المدينة الفخار الذي كان الأداة المستخدمة في ذلك الوقت.