|

القصة بين الخيال والواقع

2017-07-10 06:19:09

قال تعالى : {فاقصص القصص لعلهم يتفكرون} (الأعراف:176)، إلى غير ذلك من الآيات التي ذكرها الله في كتابه الكريم عن القصص .

في كتاب الله العديد من القصص للأنبياء والرسل وعن قوم كل رسول ومواقفهم من الدعوة إلى الله بين الإستجابة والرفض وفيها من الموعظة والعِبرة الشيء الكثير لكل من جاء بعدهم ولنا أمة الإسلام بشكلٍ خاص .

قد يٌحدِّث أحدنا نفسه بكتابة حكاية قصيرة ونشرها فتتشابه بالصدفة مع قصة واقعية في محيطه القريب !!!

عندها يتوقف القلم عن الكتابة فسرد قصةٍ من القصص قد يٌلقي بظلاله على علاقات قائمة فيكتب نهايتها أو يكسر قِوامها الجميل .

تتشابه القصص والأحداث وحتى الوقائع في العالم أجمع مع بعض التفاوت في التعاطي معها وتصبح بالتالي حكايات تٌحكى وروايات تٌروى على مدى العصور وتتحول هذه القصص والأحداث في مجملها لتكوين تاريخ مجتمع أو أمة وتٌسطِّر الأمجاد وتٌخلد الذكريات المختلفة بما فيها من المرح والترح والرخاء والشدِّة الكثير والمثير.

وبين التأليف والرواية أبعاد واختلافات على حسب المؤلف والراوي والنهج الذي يسلكه أحدهما بالتوافق مع الزمان والمكان متأثراً بما حوله من مؤثرات فتنعكس إيجاباً أو سلباً على منهجه وبالتالي يكون هناك تصنيف مختلف بين الجمهور المتلقي من حيث القبول والرفض لمنهجية ومحتوى تلك المؤلفات والروايات .

الحديث هنا عن التشابه بين الأحداث فالقليل بين الناس من يُفكِّر بأن تلك القصة أو الرواية التي كتبها المؤلف أو يرويها الراوي هي تكاد تلامس واقعة من الوقائع أو حادثة حدثت في مجتمعنا المعاصر في المقابل قد يتجه تفكير الأكثرية إلى أن تلك القصة مستوحاة من الواقع وتمس أشخاص بذاتهم دون غيرهم ويبدأ تداول تلك الفكرة ونشرها والترويج لها مما قد يؤدي للنيل من الكاتب أو الراوي وملاحقته قانونياً والسعي للإيذاء أحياناً من قبل ضعاف النفوس وهذا مايحدث حولنا مع الانتشار الواسع لمواقع التواصل والاجتماعي.

عندما كنا صغاراً نستمتع كثيراً بالاستماع للحكايات والقصص وفي سن المراهقة وحب الاطلاع والقراءة جذبتنا الروايات بأشكالها المختلفة وحينها لم يكن في تفكيرنا التشبيه والتشابه المتداول بل تأخذنا الأفكار لماهو أبعد ولمستقبل رحب من الطموح والأمل والأمنيات بأن نكتب ونروي ونترك موروث لغوي وقصصي تتناقله الأجيال جيلاً بعد جيل حالنا حال من نقرأ لهم.

انقلب الطموح لخوف وتحول الأمل لخيبة وتاهت الأمنيات وسط الحِيرة فالواقع يرفض الفكرة ولا يسمح لك بالمساس بأشخاص أو كيانات أو مواقع حتى لو لمجرد سرد حكاية أو كتابة قصة ومع تزايد هذه الخشية من ردات الفعل جفت أقلام الكثير من المؤلفين والكٌتَّاب وعزف غالبية الرواة عن الجلوس في المقاهي والأماكن العامة لسرد الروايات والقصص الخيالية التي تجعل الليل قصيراً حتى في ليالي الشتاء الباردة !!!

في حياتنا اليومية العديد من القصص والأحداث التي نستطيع جميعاً الكتابة عنها بكل شفافية لأنها تعتبر من الوقائع الحقيقية والتي ترفع من شأن أصحابها وفي سردها فخر وعِزّة مما تجعلهم يتباهون بتداول الناس لها ويلزم من يكتبها أن يستأذنهم في كتابتها وهذا النوع من الكتابة والتأليف محصور ومحدود ومشروط حتى في توزيعه وانتشاره .

نشاهد ونقرأ مع بداية أو نهاية بعض المسلسلات التمثيلية أو الأفلام تنبيه عن ” أن هذه القصة أو الرواية ليست من الواقع ولاتمت لأي شخص أو جهة بِصِلة لا من قريب أو بعيد وإن وردت بعض الأسماء التي تتشابه مع أسماء معروفة فذلك من باب الصدفة ” انتهى التنبيه .
مع الأخذ في عين الاعتبار بأن المؤلف قد قام بحبكة قصصية خيالية متجنباً فيها التشابه مع الأحداث الواقعية ومن نفّذ السيناريو قد أضاف تغييرات أخرى والمخرج أحدث بعض الملابسات كل هذا لتجاوز الصدفة التي قد يطال أحدهم العقاب بسببها أو يتم إيقاف العمل تماماً ومنعه من الظهور في نهاية الأمر خوفاً من تبعات وعواقب تشابه القصص مع الواقع.

لطالما عاش أدباء عظماء في القرون السابقة والجاهلية وفي صدر الإسلام مع البعثة النبوية وبعدها في عهد الخلفاء الراشدين والدول المتتابعة مروراً بالأدب الأندلسي ووصولاً للأدب الحديث وحتى يومنا هذا فكتبوا وألفٌّوا قصصاً وروايات كانت ومازالت تستهوي القرّاء وتجذبهم لاقتنائها وتداولها وبقدر شيوعها قديماً بقدر ماباتت نادرة وقليلة في عصرنا الحالي فقد انشغل الناس بمواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة كل جديد فيها مع الحرص على نسخ ولصق ماطاب لهم لتناقله على نطاق واسع عِوضاً عن قراءة القصص والروايات .

كلما هممت بكتابة قصة وجدتها تلامس الواقع فابتعدت بخيالاتي لعل وعسى أن أجد بعض الأفكار البعيدة التي تساعدني في تجنب الوقوع في المحظور والدخول في دائرة العتب واللوم من شخصٍ عاش أحداثاً مماثلة أو مٌشابهة لما كتبت فيقع بيني وبينه خصومة لاقدر الله أو تفسٌد علاقتنا بسبب رواية خيالية لامست واقِعاً حقيقياً.

دأبتٌ في الأيام القريبة الماضية على سرد حكايات وقصص من الخيال لأطفالي قبل نومهم فيها تصوير للكِفاح والمثابرة وبواعث للأمل وحثٌ على الجد والاجتهاد ووجدت منهم اهتماماً بالغاً بالأحداث وتعاقبها وترابطها بالإضافة لكونها تقربهم للنوم كثيراً لذلك استمتعت معهم وسأعكف بعون الله في الأيام القادمة على كتابة مدونات ومذكرات لمزيدٍ من الأحداث والوقائع الشخصية التي عشتها وعايشتها منذ سن الطفولة حتى أتجنب الوقوع في المحظور .

الكتابة على مدى العصور كانت ومازالت فن من فنون الأدب الرفيع على مستوى العالم أجمع وستبقى كذلك مهما واجهت من العقبات وتسارعت عجلة التطور والتقنيات فخيالات الكٌتَّاب والمؤلفين مستمرة في التحليق لتزويد المتلقي بالمزيد من الإبداعات عبر تسطير أحرف الجمال بأروع القصص والحكايات وكما يٌقال ” قليلٌ دائم خيرٌ من كثير منقطع “

✍🏻 سالم جيلان