|

بشار في جدة .. بين الرفض والقبول

الكاتب : الحدث 2023-05-21 04:21:06

أحمد بني قيس
@ahmedbanigais

منذ ما يقارب الاثني عشر عاماً والشعب السوري يُكابد تداعيات كارثة حلّت به تجلّت هذه الكارثة في العديد من المظاهر المؤلمة التي لم يتمكن الشعب السوري من مكافحتها والتغلب عليها ما جعله يعيش حياة بائسة خالية من أبسط مقومات العيش الكريم وما زاد الطين بلّة بالنسبة له تكالب قوى إقليمية ودولية عليه فاقمت مأساته وأطالت معاناته.

فالواقع يقول بأن المشهد السوري ممزق وخاضع لما يُشبه التقسيم حيث نجد مناطق منه تُسيطر عليها إيران وأخرى تسيطر عليها روسيا وغيرها خاضعة للسيطرة الأمريكية إضافة إلى سيطرة تركيا على بعض ترابه الوطني دون إغفال المناطق التي يستحوذ عليها الأكراد أما ما تبقى من هذه المناطق فهناك أجزاء فرضت وجودها عليها قوى إرهابية كحزب الله وداعش والنصرة وغيرها من المنظمات الإرهابية وما تبقى من أجزاءه يقع بيد النظام السوري وهذا الوضع المزري هو الأمر الذي كان له الدور الأهم والكبير في كل ما آل إليه حال سوريا والملايين من مواطنيها داخل حدودها وخارجها.

وهذا الواقع المؤلم هو الذي دفع القيادة السعودية لطرح مقاربة عقلانية فرضتها وقائع لا يمكن تجاهلها أو التقليل من تأثيرها في ظل غياب أي مساعي إقليمية أو دولية بديلة تعمل على حلحلة الحال السوري المأزوم وتخليص شعبه من معاناته.

وتمثلت هذه المقاربة السعودية والتي أصبحت لاحقاً مقاربة عربية في دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور القمة العربية بعد أن وضعت القيادة السعودية في اعتباره بشكل واضح لا لبس فيه أن هذه الدعوة يجب أن تكون على قاعدة "خطوة بخطوة" بمعنى أن كل خطوة يُقدم عليها العرب يجب أن تُقابل بخطوة عملية منه ومن نظامه حتى يُثبت مصداقيته وتجاوبه الإيجابي معها.

ولكل من يعترض على الإقدام على هذه الخطوة نسأل ما هو البديل الواقعي والعملي القابل للتطبيق الذي بإمكانهم من خلاله نجدة سوريا وشعبها؟ أم أنهم يفضّلون أن يبقى الحال على ما هو عليه رغم كل الآلام والجراحات السورية التي تسبب ويتسبب وسيتسبب فيها هذا البقاء واكتفائهم فقط بالتنديد والتهديد اللفظي الذي لم ولن ينتج عنه إلا مفاقمة جراح السوريين وجعل أزمتهم تراوح مكانها؟.

وعلى أي حال فإن هذا التقارب العربي السوري كما أسلفت ليس الهدف منه توفير غطاء للنظام السوري يشرعن له الاستمرار في نهجه السلبي بحق شعبه ولا يعني بأي حال من الأحوال أن العرب يمنحونه "شيكاً على بياض" يحميه من تقديم تنازلات حقيقية وإظهار خطوات جادة يؤكد من خلالها أنه يمتلك رغبة مماثلة لرغبتهم الهادفة لمساعدة الشعب السوري في تحقيق طموحاته وتطلعاته ووضع نهاية لمأساته.

كما أن هذا التقارب يجعل النظام السوري أمام خيارين لا ثالث لهما إما أن يُبادر بأفعال ميدانية صادقة وخالية من المماطلة والمراوغة يُظهر عبرها تجاوبه مع كل ما يتطلبه هذا التقارب وإما أن يتملص من مثل هكذا استحقاق فينكشف أمام مؤيديه قبل مناوئيه مدى جهله بأين تكمن مصلحته الحقيقة حتى وإن كانت مصلحة شعبه لا تعنيه.

ختاماً إن القيادة السعودية أثبتت بإقدامها على هذه الخطوة أنها قيادة حكيمة ومنطقية وواقعية لا تكتفي فقط بترديد الشعارات واللجوء للمزايدات حالها حال غيرها وإنما تقوم بممارسة كل ما فيه نفع جدي يمكن أن يُفرز نتائج مثمرة وملموسة تُسهم في تآلف العرب وتظافر جهودهم وتمكنهم من تحقيق آمال وطموحات شعوبهم بمختلف صورها وأنواعها.