|

مهلًا يا هذا لسنا ملائكة

الكاتب : الحدث 2023-03-12 07:19:22

صنفان من البشر لا يوفّقون في نهج حياةٍ ينهجونه ولا في سلوك صحيح يمارسونه ولا في أسلوب حياة يتبعونه ولا في فكر سوي يعتنقونه، يمضون في طريق لا يرون فيه سوى أنفسهم دون إحساس بمن يخالفهم الرأي والاعتقاد.

الصنف الأول: بمجرد بلوغه سنًا معينًا أو حصوله على شهادة علمية أو تقلده منصبًا أو حتى أقل من كل ذلك، يظن أنه فوق النصح فلا يتقبله من أحد، رغم أن الأنبياء عليهم السلام ينصحون بعضهم ويتقبلون النصيحة، يقول تعالى: "وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين"، نبي ينصح نبيًا!

والصنف الثاني: يتعجل في تقييم الآخرين وإصدار أحكام جائرة عليهم بناءً على معايير شخصية تكونت لديه من خلال أسرته ومجتمعه وخبراته، يجعلها مسطرة يطبقها بالتساوي على الجميع دون مراعاة لظروف أو فروقات فردية بين الناس، فيقيم سلوك وأخلاق الغير من هذا المنطلق هذا بخيل وذاك نمام هذا حسود وذاك جبان هذا متكبر وذاك منافق، مهلاً يا هذا لسنا ملائكة ولا أوصياء على خلق الله، وما نحن إلا بشر وأخطاؤنا أكثر من أن تحصى عددًا لكي نصدر أحكامًا على الناس، دع الخلق للخالق ولنقوّم أنفسنا أولًا، يقول سبحانه: "إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم".

والمنهج الصحيح في التعامل مع الآخرين أن تكون محسنًا حتى وإلم تلقى إحسانًا، وأن تعامل الناس بأخلاقك ولا تعاملهم بأخلاقهم فأنت أنت وهم هُم، يقول تعالى: "وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"، وإذا أردت أن تعرف قدر مكارم الأخلاق في شخصك فانظر إلى حالك عند تعاملك مع مخالفيك ولا تنظر إلى حالك عند معاملة موافقيك، فطبيعة البشر إنصاف الموافق وهضم حق وقدر المخالف، واعلم بأن كلام الناس أشبه بالتراب إذا لم يطر في الهواء فسيسقط على الأرض ويداس بالأقدام.

وإبداء النصح وقبوله صفة يتحلى بها أصحاب النفوس الكبيرة، وقد تأتيك النصيحة النافعة على لسان مجنون فاقبلها واعمل بها، وعلى الناصح الأخذ بعين الاعتبار عند تقديم النصيحة أن تكون بلين ورفق وفي السر لا العلن خالصة لوجه الله تعالى لا يهدف منها انتقام أو إحراج المنصوح، يقول ﷺ: "الدين النصيحة"، ويقول الإمام الشافعي رحمه الله:
تغمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه

لا تلتفت لألسنة المخالفين والحاقدين فلن يرضوا عنك حتى تتبع منهجهم وتعتنق فكرهم، وإن تطاول عليك يومًا مخالف فتذكر قول الإمام الشافعي رحمه الله: "قل ماشئت بمسبتي فسكوتي عن اللئيم هو الجواب، لست عديم الرد لكن ما من أسد يجيب على الكلاب"، والأجدى التعامل مع الكائدين وفق هذه الأبيات الشعرية الذهبية التي لا أعلم لها قائلًا:
‫وإذا بُليت بمن يسوؤك قولهُ‬ فاصبر وكن عند الخصام نبيلا‬
‫ولتبتسم للجارحين وأولِـهِم‬ هجرًا لتسلم هادئًا وجميلًا
‫يقول سبحانه وتعالى: "وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئًا".

دلل ذاتك وكن في قمة النرجسية فيما يخص حياتك الخاصة، لا تهتم بحب ورضى وإعجاب الناس بك، فإذا لم تهتم وتحب نفسك أولاً فلن تحقق ذاتك ولن تستطيع تقديم شيئ للآخرين، عش عالمك الحالم كما تريد وتشاء، كن ما تبتغي أن تكون لا كما يبتغون هم، وامضِ في طريق الحق والصواب والنور والهدى، لا تسمح لأحد بفرض نفسه أو فكره أو قراره عليك، تحرر وفكر وقرر أنت ولا ترضى أن تكون تابعًا لأحد يفكر ويقرر عنك، وكن أنت من يقرر إلى أين تسير ولو كنت وحيدًا ولا يقررون لك حيث يريدون، كن حرًا ولا تذهب بعقلك إليهم وتقدمه على طبق من ذهب فلن تستطيع تحريره إذا ذهب!‬ يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: "عليك بطرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين".

المستشار والكاتب عضو الجمعية السعودية للإدارة
محمد بن سعيد آل درمة